![]() |
|
سيد الشام يطل من موسكو في زمن الحرب..! - أحمد كيوان
![]()
الزيارة التي قام بها مؤخرا الرئيس السوري بشار الاسد الى موسكو، واستقباله الودي والحار من قبل الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، اثارت تساؤلات، واربكت حسابات، وقلبت موازين، واغاظت كثيرين، ورفعت معنويات، واعطت دفعة قوية لسوريا وحلفائها في المواجهة الدائرة على الارض السورية، لما تحمله من دلالات بالغة الاهمية. فالزيارة جاءت في زمن الحرب على سوريا، وكانت مفاجأة لم يتوقعها احد، واحيطت بالسرية التامة حتى انتهت وعادت طائرة الرئيس الاسد الى عاصمة دمشق.
ولم يكن سهلا ان يطير الاسد في هذه الظروف، التي تشهدها سوريا وتحلق طائرته في السماء لساعات طويلة، رغم ما تملكه مخابرات الدول المعادية، من ادوات الكترونية وتكنولوجية واقمار صناعية ورادارات ووسائل اتصال هي الاحدث في عالم اليوم، فالمفروض ان تكون هذه الطائرة تحت الرصد، وامام اعين المتربصين، وبالامكان التعرض لها في الاجواء. ولو جرى شيء من هذا لا قدّر الله لكان المشهد قد تغير رأسا على عقب. لكن وكما يبدو فان الحلفاء الروس قد عملوا حساباتهم بدقة متناهية، واخذوا بالحسبان كل الاحتمالات، حين تقرر ان يطير الرئيس بشار الاسد الى موسكو، من تأمين لمسار الطائرة من نقطة اقلاعها وحتى وصولها الى المحطة النهائية في موسكو. وبالتأكيد فان خطة محكمة قد وضعت، ونفذت كما اريد لها. ولاننا لا نملك اية معلومات حول طبيعة الحماية الا ان المنطق يقول ان الروس قاموا بالتشويش على كل الرادارات المعادية، التي يمكن لها ان تكتشف الطائرة في الجو، والتشويش على الاتصالات المعادية واخراجها من دائرة العمل. اضافة الى حراسة الطائرة في مسارها، الذي قد يكون قد امتد من دمشق عبر الاجواء العراقية والايرانية، باتجاه بحر قزوين ودخول الاجواء الروسية. وهو على ما يبدو نفس مسار الصواريخ البالستية الروسية من نوع "كاليبر"، التي اطلقت من البوارج الروسية في بحر قزوين لتصيب اهدافها بدقة في سوريا، قاطعة مسافة 1500 كيلو متر. وللدلالة على نجاح عملية تأمين وصول وعودة الطائرة الرئاسية السورية المدنية ان احدا لم يكتشف هذه الطائرة، رغم امتلاكه للقوة الطاغية، ولكل ادوات الرصد والاستطلاع، مما اسهم في نجاح الزيارة، وعدم معرفتها الا بعد الاعلان عنها حين تمت وعاد الرئيس الاسد الى بلاده.
وهنا استذكر حادثة فيها كثير من اوجه الشبه مع ما جرى لطائرة الاسد. ففي الرابع عشر من تموز عام 1958، حدثت ثورة العراق بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف والتي انهت حلف بغداد الاستعماري، واطاحت بالنظام الملكي وحكم نوري السعيد في العراق. وقتها حين جن جنون الاستعمار، حيث نزل مشاة البحرية الامريكية في الاسطول السادس في بيروت لحماية نظام كميل شمعون. ونزل عشرة آلاف جندي بريطاني في عمّان، حتى لا تمتد الثورة العراقية وتصل الى الاردن. وفي تلك اللحظة التي وقعت بها ثورة 14 تموز العراقية، كان الزعيم جمال عبد الناصر في زيارة صديقه الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو، في جزيرة بريوني اليوغسلافية، حيث وصلها عبد الناصر مستقلّا اليخت الشهير "الحرية"، طالبا منه عدم العودة عن طريق البحر، لان سفن الاسطول الامريكي السادس ستتعرض له في البحر المتوسط. واقنعه بالعودة فورا الى بريوني، حيث اتصل تيتو بالزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، طالبا منه ان تحضر على جناح السرعة الى بريوني طائرة عسكرية خاصة لتقل جمال عبد الناصر الى موسكو لضمان سلامته. وبالفعل كان له ما اراد، وقامت احدى الطائرات الحربية الروسية بنقل الرئيس ناصر الى موسكو للقاء القادة السوفييت. ومن ثم وفّروا له عودة آمنة على متن طائرة حربية روسية، انطلقت من احدى القواعد الروسية، واخذت الطائرة الروسية التي تقل جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة، عابرة اجواء بغداد لتحط في دمشق، التي كانت في ذلك جزءا من الجمهورية العربية المتحدة، بعد وحدة مصر وسوريا في شباط 1958. وحين تعود بي الذكريات الى ذلك الزمن، فمن الطبيعي ان اربط زيارة الرئيس عبد الناصر وزبارة بشار الاسد، وكيف قام الاتحاد السوفييتي وروسيا الاتحادية فيما بعد بتأمين سلامة القائدين الكبيرين في زمن الحرب والازمات الكبرى، مما يؤكد صدق التحالف الروسي مع الاقطار العربية الصديقة. ولاهمية ما يحدث اليوم، ولأهمية ما كان حدث بالامس، كان لا بد لي ان اربط الاشياء ببعضها، حتى تتوضح الصورة اكثر، فالشي بالشيء يذكر..! واذا عدنا الى جوهر زيارة الرئيس بشار الاسد الى موسكو، واطلالته على العالم من قصر الكرملين في ضيافة بوتين، فان هذه الزيارة جاءت في غمرة عاصفة السوخوي الروسية التي لا زالت تدك معاقل ومواقع واماكن تواجد عشرات آلاف الارهابيين، الذين زجّ بهم كل اعداء سوريا لتفتيت الدولة السورية وانهاء محور المقاومة. فالزيارة جاءت لتؤكد الموقف الروسي الثابت في دعم سوريا للقضاء على الارهاب في اقصر مدة زمنية، من اجل ان يكون بعد ذلك الحل السياسي في سوريا من قبل المكونات السورية، بعيدا عن تدخلات واملاءات المتورطين في الحرب عليها. فالروسي انتظر طويلا حتى جاءت اللحظة المناسبة ليتدخل عسكريا وبكل ما يعنيه ذلك من تداعيات. فالرئيس بوتين كما عوّدنا لا يقدم على عمل ما الا بعد ان يضمن النتائج، ويكون واثقا من الوصول الى الهدف الذي وضعه نصب عينيه. فالامور تخضع للحسابات الدقيقة، ولا تقبل المغامرات التي قد تؤدي الى الفشل، واذا كنا نعلم ان روسيا في العهد السوفييتي لم تكن لتسمح لاحد ان يمس سوريا، فان روسيا اليوم اكثر تصميما على الوقوف مع سوريا حتى لا تسقط. وهذا احد الثوابت، التي جعلتنا نطمئن، ومنذ بداية الحرب على سوريا قبل حوالي خمس سنوات. ونقولها بكل ثقة بان دمشق لن تسقط ابدا، وكان لدخول روسيا المواجهة وبهذا الشكل المباشر علامة مشجعة، وثقة تامة بأن حسم المعركة، وفي الميدان مع المجاميع الارهابية، حتى تنتهي معاناة الشعب السوري، وتنتهي الازمة في هذا البلد الشقيق. وها نحن نرى تقدم الجيش العربي السوري في كل الجهات على وقع الضربات الجوية الروسية. اما تلك الدولة الاقليمية، التي دعمت ورعت وسهلت عبور هذه المجاميع، فانه ليس امامها الى الامتثال للواقع الجديد المتغير على الارض. فالنار على حدودها، واذا استمرت في حلفها فان هذه النار ستحرقها، لان الحليف الروسي قد اتخذ قراره ولن يتراجع عن الوصول الى الهدف الذي وضعه نصب عينيه. فهذا هو الفصل الاخير في هذه الحرب، وكلهم يعرفون ان مشروعهم قد هزم، ولن يكون امامهم بالنهاية الا التسليم بالحقيقة، رغم مرارتها عليهم. فالروسي لن يتراجع، وهذه هي المعادلة الجديدة التي انتظرناها طويلا..!! عن موقع الجبهة 30/10/2015 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |