هل ستتسلَّل الانتفاضة الثالثة من بين أصابع السلطة الفلسطينية - تميم منصور

شاب فلسطيني مقاوم أمام نار أشعلها أوباش الاستيطان بمزروعات حقول قرية بورين، السبت

المطلوب اليوم من القيادات الوطنية الفلسطينية إقامة خلايا من الشباب من اجل حماية القرى الفلسطينية، هذا ما فعلته وتفعله كل الشعوب التي عانت من الاحتلال، يجب ان يتجند المئات في هذه الخلايا في كل قرية ومدينة، خاصة وان القرى الفلسطينية اليوم تقف على عتبة بداية موسم قطاف الزيتون الذي يشكل العمود الفقري في اقتصاد عشرات آلاف الأسر الفلسطينية.

عندما تم الاعتداء على عائلة الدوابشة في قرية دوما من قبل عصابة من القتلة المستوطنين، اعتقدت إسرائيل قبل غيرها بأن هذا الحادث سوف يكون الفتيل الذي سيفجر غضب شعب بكامله وان عجلة الانتفاضة الثالثة قد بدأت بالدوران.

ولكن وباعتراف وسائل الإعلام الإسرائيلية ومراقبين فلسطينيين، فان شعلة الانتفاضة الثالثة قد أخمدت وقطع فتيلها من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، فقد تم قمع تحركات المتظاهرين في الجامعات الفلسطينية وتم تفريقهم بالقوة في شوارع رام الله، والمخيمات والخليل ونابلس وطولكرم وغيرها،استجابة لمطلب إسرائيل وأمريكا، لكن المحتل هو المحتل، كلما شعر أن ضحاياه من الاحتلال عاجزون وضعفاء ومستسلمون، يزداد وحشية وصلافة، فبدلًا من قيام حكومة نتنياهو بخطوات من شأنها تهدئة الأوضاع للتخفيف من الاحتقان بعد حرق ثلاثة من عائلة الدوابشة، اعترف وزير الحرب في هذه الحكومة يعلون بأنه غير قادر على إلقاء القبض على الجناة والإعلان عن أسمائهم لأسباب أمنية، وهذا يقطع الشك باليقين بأن هذه الحكومة هي التي تشجع وتحمي ممارسات المستوطنين ضد سكان القرى الفلسطينية الآمنة.

موقف الحكومة المتخاذل والمتعاون هذا شجع على التمادي في الاعتداءات واقتحامات المستوطنين في مواقع أخرى، كما ضاعف من عمليات إقدام هؤلاء البرابرة على اقتحام المسجد الأقصى تحت حماية قوات الاحتلال، وحتى تردع حكومة نتنياهو رد فعل الفلسطينيين، سارعت لإصدار قوانين استثنائية، منها السماح بإطلاق النار بشكل مباشر على الأطفال الذين يلقون الحجارة، كما أن قوانين الردع هذه أوصت بمضاعفة العقوبات ضد المحتجين على ممارسات الاحتلال بفرض غرامات مالية كبيرة، وفرض أحكام بالسجن على هؤلاء الأطفال وعدم التردد بهدم بيوتهم.

مقابل هذه الإجراءات القمعية، هناك إجراءات أخرى فرضت لتوفير الأمن والأمان للمستوطنين ولقوات الاحتلال داخل القدس المحتلة، وبقية المستوطنات داخل الضفة الغربية خاصة في مناطق التماس، فقد تم تعزيز هذه القوات خاصة داخل البلدة القديمة وبالتحديد في شارع الوادي، أو كما يطلق عليه المحتلون "شارع هجاي"، لماذا هذا الشارع بالذات؟ لأنه يتوسط الحي الإسلامي في القدس القديمة، وهو يعتبر الممر الرئيسي لوصول المستوطنين من البلدة القديمة إلى حائط البراق.

باعتراف الصحف الإسرائيلية والأجهزة الأمنية فان هذا الشارع عبارة عن قلعة حصينة، حتى أن صحيفة "هآرتس" اعتبرته من أكثر الشوارع الحصينة في العالم، فقوات الاحتلال تتواجد على طوله بإعداد لافتة للنظر، مدجّجة بكل أدوات القمع والتنكيل والقتل، حتى أن رئيس بلدية القدس العنصري نير بركات قال لرجال الإعلام، جميع رجال الشرطة متواجدون في "شارع هجاي" إلى جانب رجال الأمن وهناك المستعربون وآلات التصوير.

لكن كل هذه الحراسة المتشددة ليلًا ونهارًا لم تمنع الشاب الشهيد مهند حلبي من مدينة البيرة الذي لا يزال في مقتبل العمر من تحقيق مآربه، فقرر التضحية بنفسه وهاجم مجموعة من المستوطنين الذين تواجدوا في هذا الشارع، كل هذه الحراسة لم تقف أمام إرادته، ولم يردعه عن صب غضبه للتعبير عن رفضه لممارسات قوات الاحتلال، لقد كتب هذا الشاب قبل قيامه بعمليته الهجومية على صفحة التواصل الاجتماعي، حان انفجار الانتفاضة الثالثة واضاف لا أريد أن أموت لاجئا.

باستطاعة الاحتلال أن يقلل من عدد سقوط ضحايا ممارساته العدوانية من جنود ومستوطنين ومواطنين، لكنه عاجز عن منع سقوط مثل هؤلاء الضحايا بشكل قاطع، مهما عزز من إجراءاته القمعية ومهما اصدر الكابينيت برئاسة نتنياهو من قرارات تطالب بالمزيد من سفك دماء الفلسطينيين، ها هو نتنياهو يعود بسرعة من رحلته الفاشلة إلى الأمم المتحدة وسارع إلى عقد الكابينيت للتغطية على فشله المتلاحق في سياسته الداخلية وسياسته الخارجية، اعترفت أوساط إعلامية إسرائيلية بأن نتنياهو شكا من العزلة لمرافقيه من قبل زعماء ورؤساء دول العالم.

هذه العزلة وهذا الإحباط كان بمثابة فرصة وقوة دفع جديدة له للتشديد من ممارساته القمعية ضد الفلسطينيين، فسارع إلى عقد اجتماع طارئ لمستشاريه لإصدار الأوامر لقوات الاحتلال كي تزيد من قبضتها الحديدية وتوسع إجراءاتها القمعية، لكن هذه القرارات لم تردع فلسطينيًا واحدًا، فازداد لهيب المقاومة بالطرق المختلفة، خاصة في القدس وضواحيها، وقد سقط حتى الآن عدة شهداء وجرح المئات.

السؤال الذي يُطرح، أين دور السلطة في رام الله من بوادر هذه الهبة الجديدة؟ لماذا لا تستثمرها لكي تتحول إلى عامل ضاغط فعال ضد إسرائيل؟ كما هو الأمر في الانتفاضة الأولى؟ أين دور هذه السلطة من الأعمال القمعية التي يمارسها الاحتلال؟ شبعنا استنكارات واحتجاجات في الهواء للاستهلاك اللفظي، إذا كانت هذه السلطة المسؤولة عن توفير رواتب لما يقارب السبعين ألف مسلح غير قادرة على حماية المواطنين الفلسطينيين.عليها الاعتراف بذلك، لكن على ما يبدو أن أمراءها يخافون على قصورهم ومراكزهم وأنفسهم، لا يهمهم سقوط الضحايا شبه اليومية من قبل قوات الاحتلال.

على السلطة ان تكون واضحة وصريحة أمام شعبها، عليها ان تثبت بأنها ليست رديفا لقوات الاحتلال في قمع الاحتجاجات الشعبية الفلسطينية..!

في رأيي ان المطلوب اليوم من القيادات الوطنية الفلسطينية إقامة خلايا من الشباب من اجل حماية القرى الفلسطينية، هذا ما فعلته وتفعله كل الشعوب التي عانت من الاحتلال، يجب ان يتجند المئات في هذه الخلايا في كل قرية ومدينة، خاصة وان القرى الفلسطينية اليوم تقف على عتبة بداية موسم قطاف الزيتون الذي يشكل العمود الفقري في اقتصاد عشرات آلاف الأسر الفلسطينية.

يجب على سلطة رام الله الوصول إلى قناعة بأن لا فائدة من الانتظار، وان حكومة نتنياهو أو أية حكومة صهيونية لن تتنازل عن الاحتلال من ذاتها، في نفس الوقت فان الاستجداءات والتوسلات لا تحرر شبرًا واحدًا من الأرض، فتوسلات أبو مازن في الأمم المتحدة عندما كان يقول - أرجوكم أرجوكم - يتناقض مع تاريخ الشعب الفلسطيني النضالي، عليه عمل المستحيل لإعادة اللحمة مع حركة حماس، ويثبت للعالم بأن أمريكا وإسرائيل لا تمنعان مثل هذه المصالحة، كذلك الأمر بالنسبة لحركة حماس فانه من غير الممكن اعتبارها حركة مقاومة ما دامت مصرة على الانفراد بحكم قطاع غزة وفرض فكرها التسلطي في طريقة الحكم.

لا نبالغ إذا قلنا بأن الخلافات بين حركتي فتح وحماس ما هي سوى تكرار للخلافات التي كانت بين عائلة الحسيني وأتباعها وعائلة النشاشيبي وأتباعها، وقد أدت هذه الخلافات إلى فشل ثورة 1936- 1939 فضاعت فلسطين، وهناك من يعتبر وقوف السلطة في رام الله ضد المقاومة امتدادًا لموقف عائلة النشاشيبي وأتباعها عام 1936، وان التعاون الأمني بين السلطة في رام الله مع قوات الاحتلال، سبقه تعاون عائلة النشاشيبي وأعوانها مع القوات البريطانية ضد الاحتلال، آمل أن لا أكون قد تجنيت على التاريخ.

عن موقع الجبهة
10/10/2015





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com