في ندوة في رام الله حول الاتفاق النووي مع ايران:
عصام مخول: ايران حجر زاوية في نظام إقليمي جديد

حيفا – مكتب الاتحاد - أكد عصام مخول رئيس معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية والاسرائيلية في ندوة في رام الله هذا الاسبوع، أن من شأن الاتفاق النووي الدولي مع ايران أن يكون مؤشرا حقيقيا على ولادة نظام إقليمي جديد في المنطقة تحتل في إطاره إيران موقعا محوريا، على أنقاض المشروع الامريكي – الصهيوني – الرجعي العربي لـ "شرق أوسط جديد" توقعت أمريكا بزوغه مع بدء العدوان الاسرائيلي الدموي على المقاومة اللبنانية في تموز 2006.

وقال مخول الذي كان يشارك مع عباس زكي وسعادة ارشيد وعلي الجريري في ندوة في رام الله حول: "الاتفاق النووي الغربي الايراني وآثاره الاقليمية والدولية": إن الدرس الاهم الذي يمكن استخلاصه من نتائج المفاوضات بين إيران والغرب أنه ليس بالخضوع والانضواء تحت مشاريع الهيمنة الامبريالية، بل بمقاومتها، وبناء عناصر القوة لمواجهتها، تحفظ الدول والشعوب كرامتها الوطنية وتنتزع الاعتراف بحقوقها، بما فيها حقها المشروع في المعرفة النووية. وقال: ليس صحيحا أن 99% من الاوراق بالضرورة في يد أمريكا إذا ما جرى تحدي مشاريع الهيمنة الامريكية ومراكمة عوامل القوة وطرح مشاريع وتحالفات بديلة لمواجهتها.

ولفت مخول إلى أن الاتفاق أصبح ممكنا بفعل عجز الولايات المتحدة الامريكية والناتو عن إخضاع ايران، من خلال التهديد بخوض حرب اقليمية جديدة ضدها تدفع باتجاهها اسرائيل، ونظام العقوبات والحصار، ولا بالاعتماد على عكاكيز الامبريالية التقليدية في المنطقة. وخصوصا بعد التورط الامريكي في الحرب على افغانستان، وفي وحل العراق، وفشل مشروعها الارهابي الظلامي في سوريا الصامدة منذ خمس سنوات. وإذا كان استهداف سوريا ووهم إسقاطها شكل مقدمة موهومة لاسقاط ايران، فإن صمود سوريا التي كانت عصيَّة على المتآمرين، شكّل حجر الزاوية في الاعتراف بمركزية إيران والتفاوض الندي حول ملفها النووي.

*الخوف من مركزية ايران لا من مشروعها النووي*

وقال مخول: إن ذعر اسرائيل والرجعية العربية ليس نابعا من الخطر النووي الايراني، وانما من اعتراف الدول الكبرى بإيران لاعبا مركزيا فاعلا ومؤثرا في العلاقات الدولية، ودولة كبرى معترف بها وبوزنها السياسي والاقتصادي والعسكري على المستوى الاقليمي، لا يمكن تجاوزها ولا استثناء مصالحها عند رسم السياسات في المنطقة ولا عند حل أزماتها.

إن قبول ايران اعطاء ضمانات حول عدم انتاج القنبلة النووية، على الاقل لعقد من الزمن، مقابل احتفاظها بمشروعها النووي المدني سالما، وتمكنها من التكنولوجيا النووية، واحتفاظها بكل عوامل القوة الاقليمية: السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومواصلة دعمها لحلفائها على حدود اسرائيل، وإسقاط فكرة الحرب العدوانية عليها،هو الذي أوقع بإسرائيل وأخرج حكامها ومعهم أقطاب المعارضة الصهيونية البائسة عن أطوارهم.

فقد حمل الاتفاق النووي معه ارتفاع مكانة ايران الاستراتيجية في النظام الاقليمي الناشئ و تراجع مكانة اسرائيل، وإفلاس الاستراتيجية العدوانية التي اعتمدتها خلال أكثر من عقد من الزمن، وفي مركزها التحريض على الحرب على ايران، بحجة مشروعها النووي.

وإذا كان حكام اسرائيل قد توهموا وأوهموا شعبهم، أن كل ما يدور في المنطقة خاضع لنزواتهم وهوسهم الحربي، وأن تعامل القوى الغربية الامبريالية ومصالحها في المنطقة، يدور من حول اسرائيل ومصالحها ومتطلبات سياساتها العدوانية، ومخاوفها الحقيقية والمصطنعة. فقد جاء الاتفاق مع ايران ليثبت أن الشيء الذي لم تستوعبه اسرائيل وحكامها هو حقيقة أن إسرائيل هي التي تخدم المصالح والمشاريع الامبريالية في المنطقة، وأن القوى الامبريالية تدعم سياسات إسرائيل، بمدى ما تقدمه الاخيرة من خدمات للمشروع الامبريالي السائد. إن كل إنجاز حققته الصهيونية تاريخيا بنجاح، كان ممكنا فقط بفضل اندماجه وتكامله مع المشاريع الامبريالية في المنطقة وفي العالم وليس في تعارض معها.

*الاقتصاد السياسي للاتفاق النووي*

وقال مخول: إن من يتابع تصريحات المسؤولين الاسرائيليين منذ توقيع الاتفاق النووي مع ايران يلاحظ أن مخاوفهم لا تنصبّ على الخطر النووي الايراني، وانما تتركز بشكل مذعور على خطر تدفق مئات مليارات الدولارات التي ستدخل الخزينة الايرانية، والتي ستشكل تحديًا لأحلام إسرائيل في قطف ثمار "الفوضى الخلاقة" السائدة في المنطقة (والتي ساهمت في خلقها )، وفي تحول اسرائيل الى عصب الاقتصاد والتقدم التكنولوجي، والسياسة، والقوة العسكرية، من خلال تحولها من لب المشكلة وموضوعها في الشرق الاوسط، الى مركز الحل، والى صلب تحالف جديد تشارك فيه بدور فعال الى جانب العربية السعودية وقوى رجعية عربية تدور في فلكها.

إن اعادة الاعتبار الى موقع ايران الاقليمي والدولي – يخلط من جديد حسابات اسرائيل. ومن شأن من تابع بدقة تصريحات بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته في الاشهر التي سبقت الاتفاق مع ايران أن يلاحظ، الارتباط الوثيق بين المعارضة الاسرائيلية الموتورة للاتفاق الغربي مع ايران، وبين تسريع اتفاقات اسرائيل مع الشركات الامريكية والاسرائيلية التي تقوم على تطوير انتاج الغاز وتصديره تجاريا من حقول الغاز الهائلة التي وضعت اسرائيل أيديها عليها في شرق البحر الابيض المتوسط، باعتبار أن الاتفاق مع إيران ووقف العقوبات عليها وعودتها الى المعادلات التجارية بقوة، سيقلل من فرص اسرائيل الاستفادة من مرابض الغاز التي كشفتها. وإذا كان الاقتصاد السياسي الاسرائيلي قد بنى أحلامه على مواصلة إقصاء إيران ومقاطعتها، وتغييبها كلاعب مركزي من سوق الطاقة، فإن إسرائيل قد بنت على تحولها هي الى دولة مصدِّرة للغاز تستطيع ان تستعمل الغاز المستخرج من البحر المتوسط لتربط اقتصادات دول الجوار بغازها واستثمار ذلك سياسيا في بناء نظام اقليمي على مقاس مصالحها.

إن محاولات نتنياهو ابتزاز الكنيست وتجاوز القانون، من أجل اختطاف الموافقة على اتفاقات الغاز الفاسدة التي اراد تمريرها في خدمة الشركات الامريكية والاسرائيلية ورأس المال الكبير الذي يقف من ورائها، على حساب الجمهور الواسع،اعتمدت بالاساس على الهلع والتخويف من قرب التوصل الى اتفاق دولي مع ايران من شأنه أن يفقد إسرائيل فرصتها الاقتصادية التاريخية.

إضافة الى ما تعنيه عودة إيران بقوة اقتصادية هائلة قد تدفعها نحو تطوير مرابض نفط وغاز جديدة في المياه الاقليمية السورية واللبنانية تنافس اسرائيل وتدعم اقتصاد القوى التي تواجهها.

*خطر تعويض اسرائيل بـ"العملة الفلسطينيية" الصعبة!*

وتوقف مخول عند سياسة اسرائيل في استثمار الاتفاق مع ايران فقال: تجاوزت التطورات مسرحيات حكومة الرفض الاسرائيلية وتخويفها من الاتفاق مع ايران، وباتت المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة مشغولة بالتركيز على مهمتين: محاولة غير واقعية لثني الكونغرس الامريكي عن إقرار الاتفاق الايراني من جهة، وهي موجهة أكثر الى الرأي العام الاسرائيلي. والانتقال من الجهة الاخرى الى استراتيجية الابتزاز من الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، بحجة تعويض اسرائيل عن الخلل الاستراتيجي الناشئ عن الاتفاق النووي مع ايران، والذي تتعامل معه اسرائيل كمصدر للخطر ولتغيير توازن القوى الاقليمي.

ويشمل مشروع الابتزاز الاسرائيلي مستويين، الاول – الابتزاز على شكل تعويضات تجد تعبيرها في المساعدات الاقتصادية ردا على ضخ مئات مليارات الدولارات الى الخزينة الايرانية من جهة. وتأخذ من الجهة الأخرى شكل تزويد اسرائيل بالمزيد من الاسلحة المتطورة وأعداد أكبر من طائرات "ف 39" وغيرها من أحدث الاسلحة الامريكية المتطورة.

أما المستوى الثاني من التعويضات– الابتزازات - والأكثر خطورة، فهو المستوى السياسي. فهي تضغط لتعويضها عن الضرر اللاحق بها نتيجة الخلل الاسترتيجي الناشئ تجاه ايران.. بالعملة الفلسطينية الصعبة، وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني القومية، وبثمن القضاء على القضية الفلسطينية وتعليق حلم الاستقلال والتحرر الفلسطيني وتقرير المصير.

ومن المفارقات أن وزير الحرب الاسرائيلي يعالون، الذي كان أسوة برئيس وزرائه يستعمل التوتر الناشئ عن عدم الاتفاق مع ايران مبررا لانزال القضية الفلسطينية عن المنصة وعن جدول الابحاث، بحجة انها ليست القضية أصلا! هو نفسه الذي يستعمل رده على الاتفاق النووي مع ايران في مقابلة مع القناة الاسرائيلية الثانية ليؤكد أن: " القضية الفلسطينية لا تعنينا، ومن الاجدر الحديث عن المواضيع الهامة". والحقيقة ان ما يعني حكومة المستوطنين ورأس المال في اسرائيل هو تحييد القضية الفلسطينية نهائيا.

وفي هذا السياق يجب ملاحظة التقارب بين حكومة نتنياهو وقيادات في حماس. وما يرشح عن مفاوضات جارية في السترة بينهما من أجل هدنة طويلة الامد، تجعل من الوضع القائم وضعًا مؤقتًا دائما. كما يجدر التوقف عند معاني زيارة خالد مشعل، رئيس الدائرة السياسية في حماس الى العربية السعودية والتقارب المشبوه بين الطرفين في هذه المرحلة بالذات، والذي رشح عنه أن السعودية قد طلبت الى حماس تزويدها بمئات من مقاتليها، ما يعني مطالبة حماس بالانضواء في الحرب العدوانية التي تقودها السعودية على اليمن مقابل دعمها حماس اقتصاديا وسياسيا.

إن الأخطر في هذا السياق، أن المؤسسة الاسرائيلية التي تتقرب هي ايضا وبشكل سافر من العربية السعودية وتعتبرها حليفا في الظرف الناشئ، تملك مشروعا استراتيجيا يرمي الى حل القضية الفلسطينية في إطار إقليمي، طابعه خليجي تابع، وليس فلسطيني تحرري مستقل. ويشكل قطاع غزة الموسع وليس الضفة الغربية والقدس العربية المحتلة، وجهة هذا الحل، بمشاركة اسرائيل ومصر والاردن والسعودية والجانب الفلسطيني، ويشكل تبادل الاراضي بينها آلية تنفيذه. وفي إطار هذا الحل يجري توسيع غزة نحو العريش وتجفيف أجزاء من البحر وبناء مدينة حديثة كبيرة بحجم مدينة غزة وبناء ميناء دولي ومجمّع سكك حديد تجيب على حاجات تصدير النفط والغاز القادم من دول الخليج ومدينة تشغيل لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين. (مشروع الجنرال غيورا آيلاند رئيس مجلس الامن القومي سابقا).

إن السؤال المركزي، هل هناك من يعتقد في اسرائيل والمنطقة ان الظروف مؤاتية للدفع باتجاه مشروع كهذا، وهل تلتقي في ذلك مصالح جهات اسرائيلية وعربية وفلسطينية مع رغبة امبريالية للتجاوب مع الابتزاز الاسرائيلي وتعويضها عن الاتفاق الايراني بالعملة الفلسطينية الصعبة، واضح أن أحدا لا ينوي التنازل عن خدمات اسرائيل للمشروع الامبريالي في المنطقة.

*من الملف النووي الايراني الى الملف النووي في الشرق الاوسط*

وأضاف مخول: بتركيز اسرائيل الهستيري على الملف النووي الايراني.. والخطر الوجودي النابع عن امتلاك ايران للمشروع النووي، فإنها لفتت انظار العالم دون ان تقصد الى الملف النووي في الشرق الاوسط... وهو الملف الحقيقي الذي حاولت الدول الغربية المركزية بقيادة الولايات المتحدة وحاولت عكاكيزها في المنطقة، من اسرائيل الى السعودية استبعاده، وتركيز الانظار على الملف النووي الايراني، بمعزل عن مصدر الخطر النووي الحقيقي في المنطقة المتمثل بالترسانة النووية المرعبة التي تمتلكها اسرائيل، وتشكل خطرا على أمن المنطقة وأمن شعوبها وعلى الامن العالمي.

وكان من العهر السياسي الصارخ، أن تضطلع إسرائيل النووية بالذات، التي ترفض على الملأ الانضمام الى معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، بدور "الناطور " الذي يحذر ويحرض ويهوش على شن حرب نووية دولية على ايران، بحجة امتلاكها مشروعا نوويا، وطموحها الى تطوير معرفتها النووية.

والآن بعد أن نجح الاتفاق النووي مع ايران في بناء نموذج للتخلص دبلوماسيا من خطر بناء أسلحة نووية، بات من المحتَّم اعتماده نموذجا تجاه المشاريع والسياسات النووية الاخرى في المنطقة وفي العالم. ومن المفروض استغلال الاتفاق مع إيران من أجل المطالبة بتطبيق اتفاق شبيه على إسرائيل ومنشآتها وترسانتها النووية التي تهدد أمن هذه الشعوب. عندها فقط يمكن أن يتحول الاتفاق الدولي مع ايران الى فرصة لشعوب المنطقة ونقطة انعطاف في تاريخها.

لقد نشأت فرصة لأول مرة لدى الاطراف الاقليمية التي لا تملك مقدرة نووية، لاستغلال الاتفاق مع ايران، ليس للتحريض على الاتفاق، وانما من أجل المطالبة بوضع حد للمشروع النووي الاسرائيلي.. والدفع الحقيقي نحو منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط. إن هذا المطلب المتطور أخذ يستقطب في السنوات الاخيرة اهتماما عالميا ورسميا منقطع النظير، وسيكون علينا أن نستغل الذكرى السنوية السبعين لجريمة إلقاء القنبلة النووية الامريكية على هيروشيما وناغازاكي في السادس والتاسع من آب، الى فرصة لتصعيد المعركة من أجل شرق أوسط خال من الاسلحة النووية. ليصبح هذا هو عنوان المعركة الشعبية القادمة، محليا وعالميا.

24/7/2015





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com