عودة الى مقالات - بقلم صاحب الموقع


في ذكرى الأخت الغالية لطفية مبدا سمعان
ابنة قرية سحماتا المهجّرة

10/10/2012
وجيه مبدا سمعان


المرحومة لطفية مبدا سمعان


رحلت عنّا مؤخرا الأخت الغالية لطفية حوالي الساعة الخامسة عصرا في الخامس من أيلول في مدينة حيفا وقد لفّنا الحزن والأسى.

لقد ولدت هذه الحبيبة ورأت النور في قريتها سحماتا لعائلة يغمرها الحب والحنان، وقضت طفولتها ومطلع صباها بين أجنحة قريتها الوادعة، تفور بالعزم والنشاط في مساعدة أهلها وتنسج معهم خيوط المستقبل إلى أن احتلّ الصهاينة قريتها في أواخر تشرين الاول عام 1948 وشرّدوا أهلها وأبناء قريتها حاملة في قلبها أحلى وأعطر الذكريات لهذا الفردوس المفقود.

وابتدأت رحلة العذاب برحيل الأهل القسري ولجأوا إلى قرية فسوطة.. تماما كما جرى مع بقية المهجّرين الذين لجأوا إلى أماكن أخرى داخل الوطن، وكما جرى مع جموع اللاجئين الفلسطينيين بمن فيهم معظم أهالي سحماتا الذين تفرّقوا أيدي سبأ في دنيا الشتات. وكشابة في أوّل عمرها مليئة بطاقات من الحب والإخلاص لأهلها أخذت تخدمهم بكل ما أوتيت من قوّة وعزم متحدّية معهم قساوة ومرارة الهجرة القسرية وتلك الأيام السود من الحكم العسكري الذي أطبق على جماهيرنا العربية مع ما رافق كل ذلك من ضنك وعوز.

وفي أواسط الستينيات من القرن الماضي انتقلت إلى حيفا للعيش مع أخويها وجيه وحنا اللذين قد سبقاها للعيش فيها. عائلة مصغرة من أخوين وأخت جمعت بينهم طيلة السنوات الطوال أعظم وأرقى علاقة أخوّة ومحبة. اهتموا ببعضهم في السرّاء والضرّاء، وحافظوا على علاقة طيبة ومتينة مع الأهل في فسوطة، وتلاقوا دوما في شتى المناسبات، وبقي حبل المودة والتفاهم على أحسن ما يرام. وفي حيفا كوّن هؤلاء الاخوة الثلاثة أجمل وأحسن وأنقى العلاقات مع الأقارب، والأصدقاء والجيران. واندمجوا معا في بيئتها الوطنية التي شكلت فعالياتها قوس قزح من نشاطات سياسية وثقافية، ومظاهرات كالأول من أيار ويوم الأرض، واحتفالات النصر على النازية، وتلك المسيرة الغاضبة ردًّا على مجازر صبرا وشاتيلا التي ارتُكبت ضد الفلسطينيين عام 1982.

ولطفية، التي تعلمت من مدرسة الحياة كانت تؤدّي دورها بتواضع ومسؤولية وعزّة وشموخ لأنها كانت تحمل في لبّ وعيها أنّ المرأة الفلسطينية قبل كل شيء هي أمّ، وأخت وزوجة، وهي مناضلة ولاجئة وعليها أن تشترك، والعمل على إشراكها في جميع نضالات شعبنا الوطنية والسياسية والاجتماعية.

وكانت من أوائل الذين انضموا إلى جمعية أبناء سحماتا. واشتركت بجميع النشاطات التي قامت على أرضها متنقلة بخفة الغزال ومتمنية أنّ كل سحماتي إليها يعود. وكان يبدو في عينيها الفرح وتغمرها السعادة عندما تشترك في ملتقى الأطفال الذين ترى فيهم المستقبل الواعد وبناء قريتهم من جديد.. هذا، وكانت تشترك بحماس في مسيرات العودة القطرية.

امتازت باهتمامها بالتراث الشعبي الفلسطيني، وتفرّدت بذاكرة حادة تنقل كل ما حفظته في سحماتا من أغاني الأعراس، وغنوا لها ما سمعته من عمتها عن فراق الوطن زمن الأتراك..ومن والدتها ما يصور مرارة النكبة، ومناجاة أهل بلدها وقد أضحوا في دنيا الشتات. أجرت معها بعض الصحف العربية المحلية مقابلات حول التشرّد والتهجير. وكانت من بين مجموعة من النساء الفلسطينيات المهجرات عكست كل منهن في فيلم قصير قصّة بلدها وما حلّ بها عام النكبة.

وأثرت موقع جمعية أبناء سحماتا بالتراث الشعبي الفلسطيني الذي ساد بلدها، وما قامت به شخصيّا في هذا المجال من خبز الصاج، وحياكة وتطريز.

دفنت المرحومة وسحماتا في قلبها في قرية فسوطة حيث إنّ أفراد العائلة هناك. ويبقى عزاؤنا أنّ تراب فسوطة هو امتداد لتراب سحماتا.

ما أحلى وأجمل نداء خيّا، خيتا الذي ساد بيننا، وما أروع دروب الكفاح والأمل التي سرناها معا.. وما أسمى وأرقّ حبنا لسحماتا حيث ترفّ روحك الآن هناك تعانق ذرّات العبير.

لن ننساك يا أختاه أبدا، وستبقين في قلوبنا.

طيّب الله ثراك

أخوك المحب

ونشرت هذه الكلمة ايضا بنفس التاريخ بصحيفة الأتحاد





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com