أرشيفات فلسطينية وإسرائيلية: الصهيونية نهبت وسلبت جوامع وكنائس بعد النكبة - وديع عواودة

الناصرة – «القدس العربي»: نحو سبعة عقود مرت على النكبة الفلسطينية وما زالت الأرشيفات تكشف عن جرائم ارتكبتها الصهيونية بحق فلسطين، وأهلها وظلت طي الكتمان حتى اليوم، وأحيانا يتم فضح بعضها في إسرائيل ذاتها. وتكشف صحيفة «هآرتس» في ملحقها الأسبوعي كيف شطبت مجموعة من أقوال وبيانات لموشيه شاريت وزير خارجية إسرائيل في حكومتها الأولى برئاسة دافيد بن غوريون عام 1949.

جاء هذا الكشف بعد أن زار ابنه يعقوب شاريت «أرشيف دولة إسرائيل» في القدس المحتلة للبحث عن مواد أرشيفية ليكتب كتابا عن والده. واكتشف أن الرقابة حذفت مجموعة من السطور تحتوي على أقوال نطق بها موشيه شاريت خلال جلسة للحكومة المذكورة في 5 يوليو/ تموز 1949 وتحتوي هذه السطور على موقف شاريت من عمليات سلب ونهب وتدمير تعرضت لها بعض الكنائس في منطقة الجليل مباشرة بعد سقوط المدن والقرى فيها على يد المنظمات العسكرية اليهودية ثم الجيش الإسرائيلي. ويعبر شاريت فيها عن امتعاضه من أعمال تخريبية اقترفها جنود الاحتلال متجاوزين بذلك «كل حدود الأخلاقيات».

وتظهر الصحيفة أن شاريت الابن يتطلع لإخراج الحقيقة إلى حيّز الوجود، وان يتعرف القُرّاء على شخصية والده، ومواقفه الأخلاقية، وصراعه ومواجهته لسياسات بن غوريون الاستبدادية والانفرادية. واكتفى بالإشارة إلى اعتداء واحد على كنيسة الطابغة شمال بحيرة طبريا وهي الكنيسة ذاتها التي تعرضت للاعتداء على أيدي منظمة يهودية إرهابية.

لكن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» يشير إلى عدد من التقارير الموقعة بإمضاءات رجال شرطة وجيش إسرائيليين حول شكاوى تقدم بها رجال دين مسيحيون من الجليل وحيفا بعد سلسلة من الاعتداءات والسرقات وتدنيس قدسية كنائسهم وأديرتهم ومؤسساتهم بما فيها المدارس وبيوت الكهنة.

ولأن التقرير في «هآرتس» يتعرض للكنائس وليس للمساجد، فإن «مدار» يتوقف عند مجموعة من محتويات رسائل ووثائق تؤكد حقيقة الأعمال المشينة واللاأخلاقية التي قام بها جنود الجيش الإسرائيلي لأماكن العبادة المسيحية في حيفا والجليل، لافتا بالطبع إلى أن هذا الجيش اعتدى بصورة وحشية على مجموعة كبيرة من المساجد والمقامات الإسلامية في قرى الوطن، ومن بينها مساجد تم تحويلها إلى متاحف وحظائر ومخازن ومعارض صور ولوحات فنية، وبعض آخر تم تحويله إلى مطاعم ومقاه وحانات وملاه ليلية، ومساجد أخرى استخدمت كزرائب كما هو الحال في قريتي عين الزيتون قضاء صفد والبصة الواقعة على الحدود الفلسطينية – اللبنانية، حيث استخدم مصنع للحوم المُصنّعة مسجد وكنيستي القرية زرائب للأبقار.

وفي رسالة للجمعية المسيحية في حيفا والمؤرخة في 17 يونيو/ حزيران 1949 والموجهة إلى رئيس إسرائيل يشرح المُوقِّع عليها باسم الهيئة الإدارية حالة النهب والسلب التي تعرض لها المسيحيون في بيوتهم الخاصة ومؤسساتهم. وأُرسِلت الرسالة باللغتين العربية والانكليزية.

وعثرتُ أيضًا على رسالة للكاهن أغناطيوس، الرئيس الروحي لطائفة الروم الأرثوذكس في حيفا، التي وجهها إلى وزراء الداخلية والأديان والأقليات ورئيس بلدية حيفا بتاريخ الثاني من إبريل/ نيسان 1949 وفيها يستنكر بشدّة إقدام السلطات على هدم الدير الأرثوذكسي الملاصق لكنيسة الروم الأرثوذكس في البلدة القديمة وكذلك مبنى المدرسة التابع لها وفقدان كافة محتويات الكنيسة.

ويشير «مدار» أيضا إلى تقرير لقائد مركز شرطة البلدة التحتا في حيفا مؤرخ في 31 يوليو1948، أي ثلاثة شهور بعد سقوط مدينة حيفا بأيدي منظمة «الهاغاناه» العسكرية وترحيل أهلها العرب والاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم. وأشار ضابط المركز إلى انه تلقى شكاوى من الأرشمندريت بطرس فاخوري الرئيس الروحي لطائفة الروم الكاثوليك في حيفا يُعلمه فيها بسلسلة من السرقات وأعمال التخريب التي تعرّضت لها كنائس طائفته في حيفا. وقدم فاخوري شكوى بتاريخ 22 يوليو 1948 عن سرقة كأس ذهبية، وشمعدانات وصليب وملابس كهنة وأثاث من كنيسة السيدة في البلدة القديمة. وفي شكوى أخرى تقدم بها بعد ذلك بأسبوع، ذكر الأب فاخوري أنه تمّت سرقة كنيستي محطة الكرمل ووادي الجمال، وأن المنهوبات شملت خزانتين وملابس أطفال.

وأشار التقرير إلى أنهما أعيدتا لاحقا إلى كنيسة المحطة. أما ما سرق من أوان مقدسة وشمعدانات وأدوات مطبخ وأسرّة فلم تتم إعادتها بالمرّة. وأوضح التقرير ذاته إلى أن أمين كنيسة وادي الجمال في حيفا أبلغ الكاهن المذكور بسرقة كراس وطاولات وأغطية وستائر من كنيسة وادي الجمال، وهذه لم تتم إعادتها. وفي شكوى إلى رئاسة بلدية حيفا تقدم بها الأب باسيليوس لحام من كنيسة الروم الكاثوليك بتاريخ الأول من أغسطس/ آب1948 عبر عن امتعاضه واستنكاره وشجبه لعمليات هدم أوقاف كنسية من قبل هيئة البلدية دون إعلام أو إخطار أصحاب الملك، كما حصل بالقرب من كنيسة مار الياس في مفترق طرق عين دور واللنبي والجبل في مدينة حيفا.

وأشارت بعض الوثائق إلى تقدم رؤساء كنائس في حيفا وبعض قرى الجليل بطلب تعويضها عن الخسائر التي لحقت بها، والعمل على ترميم ما تم تشويهه من كنائس وأديرة. واستجابت وزارتا الأقليات والأديان إلى عدد من هذه الطلبات، من منطلق عدم إثارة ضجة سياسية ودبلوماسية مع ممثليات الدول الأوروبية المسيحية، وفي مقدمتها الفاتيكان.

ويؤكد «مدار» أن هناك العشرات من الرسائل والشكاوى التي تقدم بها رجال دين مسيحيون ومؤسسات تابعة لهم حول السرقات والتعديات التي اقترفها جنود إسرائيليون بمعرفة او عدم معرفة قياداتهم. لكن «مدار» يؤكد أن موشيه شاريت ورغم نوايا ابنه في تبييض صفحته التاريخية وغسلها من كل الأخطاء والخطايا، كان شريكا رئيسا في الخطط الحربية التي وضعتها قيادات منظمات عسكرية وفي مقدمتها «الهاغاناه» بقيادة بن غوريون للانقضاض على المدن والقرى الفلسطينية وتطهيرها عرقيا، وترحيل سكانها والاستيلاء على البيوت ومحتوياتها والأراضي والعقارات لأنها ستشكل رصيدا رئيسا لانطلاق مشروع الدولة الصهيونية في فلسطين.

ويتابع «فإن كانت المسألة للتذكير فقط بما حصل، فهذا أمر سهل للغاية، يمكن نقله عبر تصوير مجموعة من الوثائق والمستندات لتبيان الحقائق. لكن القضية أكثر من ذلك، وهي مرتبطة بجريمة تجريد شعب بكامله من أرضه وبيوته وعقاراته وتحويله إلى لاجئ.»

ويخلص «مدار» للتأكيد على أن القيادات الصهيونية من سياسية وعسكرية ومنذ ما قبل 1948 لم تُفرّق بين كنيسة ومسجد، وبين مقبرة ومقام، وبين مؤسسة ودير. بل يوضح أن كل ما هو غير يهودي معرض إلى أيامنا لخطر الاعتداء والتدنيس، ولخطر الهدم والتشويه.

عن القدس العربي
10/2/2016







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com