![]() |
|
تربّعت على أمجاد مدرستين - الياس سحاب
![]()
كأنه كان على موعد مع القدر ذلك الجيل من الفنانين اللبنانيين الذين ولدوا في عقد العشرينيات من القرن المنصرم، او قبله أو بعده بسنوات قليلة: زكي ناصيف وعاصي ومنصور الرحباني، توفيق الباشا، وديع الصافي، فيلمون وهبي، سعاد محمد، نور الهدى، ونجاح سلام، وصباح، ذلك انهم نموا وترعرعوا اولا في كنف نهضة القرن العشرين للمدرسة المصرية في الموسيقى العربية، التي اطلقها سيد درويش على عجالة ورحل باكرا ليترك الراية لتلاميذه في العام 1923.
include ('facebookshare.php'); ?>
لكن نهضة موسيقية اخرى، كانت طي الغيب في تلك الايام المبكرة، وبدأت تتفجر في منتصف القرن المنصرم، في بيروت بصفتها مقدمة وحاضنة النهضة المشرقية في الموسيقى العربية. المطربة الراحلة صباح كانت من القلائل، بل من النوادر الذين تربعوا على امجاد هاتين المدرستين العظيمتين. فقد ولدت في بدادون (قرب وادي شحرور) ابنة لاخي «شحرور الوادي»، ملك الزجل اللبناني المرتجل مسرحيا في تلك الايام، وتعلمت منه منذ الطفولة كل الالوان الفلكلورية التي صنع منها الرحابنة وزكي ناصيف ووديع الصافي عظمة المدرسة اللبنانية المشرقية في الموسيقى العربية. لكنها في الوقت نفسه كانت تترك اذنيها للسحر الآتي من القاهرة بأصوات محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، واسمهان، وليلى مراد. فلما بلغت الصبية العشرين من عمرها في منتصف الاربعينيات، كانت من اوائل جيل الفنانين الذين شدوا رحالهم الى القاهرة، التي كانت تضج الى جانب نهضتها الموسيقية والغنائية، بنهضة موازية في انتاج الافلام السينمائية الغنائية، التي كانت تنتشر كالنار في الهشيم في ارجاء الوطن العربي كلها. اخبرتني الراحلة الكبيرة نور الهدى ذات يوم، انها سبقت جانيت فغالي الى القاهرة بثلاثة أشهر، ولما كان اسمها الكسندرا بدران، فقد وضع لها يوسف وهبي مجموعة من الاسماء الفنية في قبعة لتختار واحدا منها، وكان بين هذه الاسماء نور الهدى وصباح، فكان الاول من نصيبها، وبقي الثاني على ما يبدو من نصيب جانيت فعالي. انطلقت صباح منذ بدايتها في القاهرة في سلسلة من البطولة الاولى في عدد من الافلام الغنائية، التي كان يتناوب على تلحينها في تلك الايام كبار مثل زكريا احمد ورياض السنباطي ومحمد القصبجي. لم تكتف صباح الا في البداية بهؤلاء الثلاثة من كبار الملحنين، وانطلقت بعد ذلك في التعامل مع من تبقى من الكبار مثل محمد عبد الوهاب ومحمد فوزي وفريد الاطرش. وفي اعتقادي ان محمد عبد الوهاب قد انتج اكثر من فيلم لصباح، تغني فيها من الحانه، وتتقاسم البطولة مع ابن شقيقه سعد عبد الوهاب. وكان اشهر هذه الافلام «سيبوني اغني» الذي غنت فيه من الحان عبد الوهاب «الرقص نغم» و»ياورد يا زرع ايديا» و»ايوه يا لأ». في تلك الاثناء اقترنت صباح، بعد زواج سابق، بعازف الكمان الاشهر انور منسي، الذي انجبت منه ابنتها الوحيدة هويدا. وفي العام 1958، وعندما اختار عبد الوهاب اشهر الاصوات الغنائية العربية لاداء مقاطع نشيده الكبيرة «الوطن الاكبر»، كان المقطع عن الوحدة العربية من نصيب صباح، الى جانب فايدة كامل، ونجاة الصغيرة وشادية وعبد الحليم حافظ، الذي مثلت امامه صباح دور البطولة النسائية في فيلمه الشهير «شارع الحب». بعد ذلك كانت صباح تنتقل بين القاهرة وبيروت، بعد ان لحن لها عباقرة المدرسة الجديدة في القاهرة، كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي، وسيد مكاوي. أما في بيروت، فسرعان ما دخلت صباح في صميم النهضة الموسيقية الغنائية اللبنانية العارمة، فغنت في مسرحيات للاخوين رحباني وزكي ناصيف، وقامت في هذه المسرحيات بأدوار البطولة الغنائية امام الكبير وديع الصافي. لكن علامة مميزة لصباح في المدرسة اللبنانية كانت تحمل توقيع العبقريين عفيف رضوان وفيلمون وهبي، وكانت الصوت المفضل لدى هذا الاخير، قبل ان يتفرغ للتلحين للكبيرة فيروز حتى نهاية حياته. رحم الله صباح، فاني لا اعرف فنانا آخر استطاع قبلها او بعدها ان يتربع على عرش النهضة الغنائية في كل من القاهرة وبيروت، بالدرجة نفسها. عن السفير 27/11/2014 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |