"رمانك يا حبيبي" مهرجان الرمان عرس تراثي في بلدة العجيبة الأولى قانا الجليل


الناصرة – «القدس العربي»: لا تقتصر احتفالات الفلاحين والمزارعين في فلسطين على مواسم الحصاد أو الزيتون بل لثمار الرمان فيها نصيب، كيف لا وهي فريدة الشكل والطعم ووردت في الكتب السماوية وباتت رمزا تراثيا وطنيا بارزا. في بلدة كفركنا قضاء الناصرة في الجليل جرى مهرجان الرمان السنوي وتخللته فقرات فنية، معارض تراثية فلسطينية متنوعة إضافة لثمار الرمان. في كفركنا البلدة الريفية المعروفة بقانا الجليل حيث تمت عجيبة المسيح الأولى يوم حوّل الماء إلى خمر، يفاخر الأهالي بجودة ثمار الرمان في بساتينهم ويباهون بأنها موطن الرمان الأفضل في البلاد حتى لو غارت صفورية وهي قرية فلسطينية مجاورة تمتاز هي الأخرى ببساتينها وكان الرمان عماد اقتصادها قبل أن تدمرها إسرائيل عام 48. واحتضن منتزه «باب الحارة» التراثي في كفركنا مهرجان الرمان، حيث ازدانت جنباته بالثمار المدهشة والملهمة وبالمنتوجات والأعمال اليدوية الفلسطينية المعروضة في أفياء أشجار الزيتون والرمان. في جناح المنتوجات عرضت سيدات فلسطينيات أعمال التطريز وصابون الزيتون والعسل وزيت الزيتون بطعمه الطبيعي الأصيل.

عصير منعش
كما يليق بالضيافة العربية يستقبل الوافدون للمهرجان بكأس عصير رمان منعش تقدمه صبايا بالزي الفلسطيني الفولكلوري يخفف وطأة حرارة الطقس في آخر أيام « الصيفية القصيرة « فيما كان صوت المزمار (اليرغول) يملأ الفضاء ويدغدغ الحنين لأيام ما قبل زلزال النكبة.

وكان أسعد نحلة أبو عنان (70 عاما) يتنقل في المهرجان بنشاط لافت وهو يشارك بالتنظيم والاستقبال موحيا أنه اسم على مسمى وما لبث أن كشف السر على مسامعنا فمسيرته مرتبطة بشجرة الرمان منذ البداية. «عشت وأختي أسماء بين الرمان في بساتين كفركنا مع والدي الذي لم يعمل يوما خارج البساتين منذ 1932 إلى أن توفي قبل عشر سنوات». يقول أبو عنان والحنين لأيام البساتين ومراتع الطفولة والصبا يكاد يلفح حتى المستمع له منوها أن العائلة عملت طيلة عقود على تربية مختلف صنوف الرمان المعد للتصدير لأوروبا. ويقول إن المليسي أشهى أنواع الرمان الذي ينضج مع بداية تشرين أول بعدما «يصلّب الصليب» وأنه تمتع بكل دقيقة في عمله سنوات طويلة بسقاية بساتين الرمان من عين كفركنا التاريخية «أجمل عيون الدنيا» وهي عين غزيرة مياهها منعشة جدا في الصيف منابعها في جبل سيخ المجاور، ويضيف «اكتسبت حب الرمان من والدي الذي عمل 80 عاما في البساتين ومات عن 93 سنة».



المليسي ورأس البغل
وعرضت في المهرجان عدة أنواع من ثمار الرمان أبرزها المليسي، رأس البغل، زعاتي، الشامي، الشرابي، مليسي إسباني، هندي وغيرها من الأكواز المتنوعة الألوان والمذاقات.

ويؤكد الخبير الزراعي د. فتحي عبد الهادي أن عصير الرمان يتجاوز النبيذ الأحمر من ناحية المواد المانعة للأكسدة الحيوية للوقاية من تصلب الشرايين وأمراض القلب. عبد الهادي الذي تولى عرافة المهرجان يوضح لـ «القدس العربي» أن الأبحاث العلمية الجديدة تثبت تفرد ثمرة الرمان بخواصها الطبية وبكونها من أغنى الفواكه بالمركبات المفيدة كالصوديوم والكالسيوم والفوسفور ومادة الـ»بولي فينول» المقاومة للتأكسد. ولذا يعتقد الفلاحون أن الفوائد الطبية للرمان كعدد الحبات في كل كوز رمان: 613 حبة.

فوائد جمة
ويلفت أنها تقيالجسم من أمراض القلب والزهايمر وسرطان البروستاتا وتقلل من نشاط الكوليسترول الخبيث وترفع نسبة الكوليسترول الطيب . ويتابع «بوسع 50 مللي من عصير الرمان كل ليلة ولمدة أسبوعين خفض ضغط الدم الانقباضي». ويستذكر عبد الهادي بحثا يؤكد أن عصير الرمان فعال في مكافحة سرطان البروستاتا ويسهم في تأخير الشيخوخة ومعالجة أمراض الجهاز الهضمي والتهابات المفاصل وعلاج الدودة الشريطية، منوها أن الزيوت المستخرجة من بذرة الرمان تستخدم لعلاج السكر وضغط الدم.

وينقل عبد الهادي عن بحث نشرته مجلة الأكاديمية القومية للعلوم في الولايات المتحدة لباحثين من إيطاليا والولايات المتحدة وجدوا أن الرمان يقلل من قصور أداء الخلايا المبطنة للشرايين لوظائفها وخاصة قدرتها على إفراز مركب نايتروز أوكسايد الموسع للشرايين والمخفف من آثار مرض تصلب الشرايين.

رمان فلسطين
ويوضح أن شجرة الرمان نمت في إيران قبل نحو خمسة آلاف سنة وأنها منتشرة في مختلف بلدان العالم أصنافها تعد بالمئات. ويقول إن مجمل صادرات الرمان في العالم تبلغ سنويا 1.2 مليون طن لافتا إلى إن الهند تصدر نصف مليون طن تليها إيران وأمريكا وتركيا واسبانيا وتونس وفلسطين. ويشير عبد الهادي وهو خبير زراعي دولي لوجود ستة أنواع من الرمان الفلسطيني أبرزها «راس البغل» ورمان عكا وبنت الباشا والمليسي لافتا لجودة الرمان في كفركنا وصفورية في قضاء الناصرة من ناحية مذاقها وحجم الثمرة البالغ معدل وزنها750 غراما. ويستذكر الباحث أن الرمان الأمريكي من نوع «وانديرفول» صاحب اللون الأحمر الداكن والشكل الظريف هو الأوسع انتشارا في العالم.

أغاني الرمان
وتفيد الباحثة التراثية فتحية خطيب في مداخلتها في المهرجان أن ثمار وأزهار الرمان غذت التراث العربي بكثير من القصائد والأهازيج والأغاني منها الأغنية الشعبية المتداولة على ألسن العامة في بلاد الشام مطلعها:

«رمانك يا حبيبي…يا حبيب قلبي ونصيبي
رمان صديرك فتّح يا ريته من نصيبي

وتنوه الى أن الأغنية هذه «لمت غمار» واستجمعت المزيد من الأبيات مع تقادم الأيام وأن أهازيج الأفراح في فلسطين ازدانت بثمرة الرمان كأهزوجة «رماني يا رماني ..شرابي يا رماني وتحمم يا عريس ..ومبارك الحمام..» . أو أهزوجة خاصة بـ «زيانة العريس»: حنّة يا حنّة يا زهر الرمان والحنّة تليق ع إيدين العرسان ..».

يشار أن الشاعر إبراهيم طوقان أحب مي صفوري، طالبة جامعة من كفركنا التقاها بالجامعة الأمريكية في بيروت في العشرينيات من القرن الماضي فبادر للتغزل بها مستحضرا صورة من الرمان:

جزتُ بالحيّ في العشيّ فهبّتْ * * * * نفحةٌ أنعشتْ فؤادي المعنَّى

قلتُ: منها، ودرتُ أنظرُ حولي * * * * نظراتِ الملهوفِ يُسرى ويُمنى

وإذا طيّبٌ جنيٌّ من الرُّمْـ * * * * ـمَـانِ مثلُ !!!!ِ لو هي تُجنى

وافقتْ نظرتي نداءَ غلامٍ: * * * * «ناصريْ يا رمّانُ!» من «كَفْركنّا»

قلتُ أسرعْ به فِدىً لكَ مالي * * * * وتـــرنَّمْ بـــذكــره وتَغَنَّ

يا رسولَ الحبيبِ من حيثُ لم تَدْ * * * * رِ ، لقـد جـئـتَني بما أتمنّى

وتمتع المشاركون في المهرجان بفقرات فنية صدح فيها صوت الفنان الراحل أبو عرب ابن قرية السجرة المجاورة وأدت فيها فرقة «العودة» من يافة الناصرة دبكة شعبية بمشاركة صبايا وشباب رقصوا على خشبة المسرح برشاقة وخفة العصافير ثم قدمت سماح سلايمة اغبارية مديرة جمعية «نساء عربيات في المركز» مختلف أنماط الزي التراثي النسائي الخاص بالمدن الفلسطينية من صفد إلى رفح مقدمة شروحات عن كل منها بموازاة عرض الفتيات للثياب المزدانة بتطريز يدوي.

بناء الهوية
وتوضح خطيب لـ «القدس العربي» أن الرمان استخدم في الأمثال الشعبية كالقول «مش ع رمانة.. ع قلوب مليانة».

لكن حبة الرمان لها دور أيضا المحافظة على التراث مقابل مخاطر العولمة والأسرلة كما تؤكد منظمة المهرجان آلاء يوسف مديرة جمعية «حواكير» منــوهة أن المــهـــرجانات المحلية تسهم بإحياء التراث الفلسطيني. وتقول إن الارتبــاط بالأرض وخيراتها جوهر الهوية الوطنية الفلسطينية، وتنوه أن هــذه عملية تربــوية متواصلة كـــرعاية الشجرة. كما توضح أن مثل هذه المهرجــانات توفر الدعم لكل من يتعامل مع الأرض ومنتوجاتها على طــرفي الخـــط الأخضر وتبرز جمال العلاقة الحميمية بين الإنسان والأرض.



18/10/2014






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com