|
«حلم فؤاد» فيلم وثائقي كندي يروي حكاية حيفا - وديع عواودة
الناصرة – «القدس العربي»: تم في الماضي إنتاج أفلام سينمائية تسجيلية وروائية كثيرة مستوحاة من القضية الفلسطينية، لكن «حلم فؤاد» فيلم وثائقي كندي مميز يتناول العذابات الفلسطينية باللغتين الإنكليزية والفرنسية. الفيلم من تأليف وإخراج مارتن دوكوورث وإيان ماكلارين، يروي حكاية مهندس كمبيوتر فلسطيني أصله من حيفا لاجئ في مونتريال ويحلم بالعودة لمدينته التي احتضنته. يتناول الفيلم الذي استغرق تصويره خمس سنوات قصة فؤاد صهيون(70عاما)، سليل عائلة عربية عريقة في حيفا اضطرت للرحيل عنها عام 1948، حين كان في الرابعة من عمره، ليصبح لاجئا في الاسكندرية والكويت ومونتريال. بعد مرور نحو ستين عاما وبفعل الجنسية الكندية، يحاول فؤاد العودة إلى مدينته الأم حيفا، ويحلم في الإستقرار ليمضي سنوات تقاعده في «عروس الكرمل». يحاول تحقيق حلمه بشراء فندق «ويندزور» في حيفا الذي كانت تملكه عائلة زوجته هالة خوري، ليعيده كما كان قبل عام 48، وليحقق التواصل الثقافي والتجاري بين حيفا والعالم، لكن السلطات الإسرائيلية تراكم العراقيل أمامه. في نيسان/أبريل 1948 وقف فؤاد عندما كان طفلا في الرابعة على شرفة بيته في حي وادي النسناس نحو البحر المتوسط والميناء ولم يكن يعرف أن الصهيونية ستقطع طفولته فيها بعد ساعات. يصعد بيت العائلة بعد ستة عقود ونيف ويقف في الشرفة نفسها متأملا حالما ومشدوها وكأن على رأسه الطير وهو يرى المشاهد ذاتها، وبهذه المفاضلة يبدأ الفيلم الوثائقي الذي يمتد نحو الساعة. خلال تجواله يستحضر الفيلم الذي مولته المؤسسة السينمائية الكندية واحدة من المفارقات الجميلة فيستذكر كيف تقاطعت طريق فؤاد وزوجته هالة خوري عندما استوقفتهما لافتة مزدوجة تشير الى اتجاه شارعي صهيون والخوري في زاوية تقاطعهما وهما المسمّيان على اسمي عائلتيهما.
في الفيلم الذي يعتمد الإنكليزية، الفرنسية والعربية يستعيد فؤاد وهو يتنقل بين معالم مدينته تاريخ قضية شعبه الذي حل الغرب مشكلة اليهود على حسابه بعدما رفضت الولايات المتحدة وكندا إستقبالهم بعد الحرب العالمية الثانية. كما يشرح بإنكليزية متقنة الظلم الكامن في قرار التقسيم الذي منح أغلبية وطنه لدولة اسرائيلية كانت حيفا معدة لتكون جزءا منها، وعلى خلفية مشاهد تهجير أهالي حيفا بالمراكب والسفن يتحدث عن الحدث الأكثر مأساوية في حياته وحياة شعبه الفلسطيني. لكن فؤاد لا يتردد في البوح عن أسئلة مؤرقة تسكنه منذ زمن وموجزها كيف حصل أن غادرت الوطن عائلة غنية ومتنفذة تاركة خلفها عقارات وذكريات كبيرة؟ تلح الأسئلة عليه عندما يتذكر أن جده إبراهيم صهيون عمل في العشرينات نائبا لرئيس بلدية حيفا قبل أن ينتقل وعائلته للاسكندرية ليقيم عدة أسابيع عند شقيقته المتزوجة هناك ولم يكن يتخيل أنه لن يتمكن من العودة. يتساءل عن ذلك فيما كانت الكاميرا ترصده وهو يتجول بين مراتع طفولته. لا يجيب فؤاد الحالم بالعودة إلى حيفا لكنه يؤكد أن الجرح ما زال مفتوحا وأن العودة المؤقتة موجعة كأوجاع الولادة. كيف لا يشعر بالألم والمرارة وهو يتنقل بين القصور والمنازل الحجرية الأخاذة بجمالها وقد صودرت أو حاصرها الهجران أو وهو يزور المقبرة الكاثوليكية المغطاة بالأشواك ويتعرف على أضرحة أجداده وأقربائه فينتحي جانبا وقد غالبته الدمعة والكاميرا تلاحقه؟ الفيلم ثري بلقطات موجعة وذكريات ساخنة كثيرة تثير إنفعال المتلقي، تبرز فيها زوجته هالة وهي تقف قبالة بحر حيفا على شاطئ ملكته عائلتها(البوتاجي) وهي تنقل بدقة لوالدتها عبر الهاتف المحمول ما تراه واصفة شواطئ «البوتاجي» حيث ترعرعت الوالدة قبل أن تهجرها الصهيونية هي الأخرى لما وراء المحيط. وداخل الكنيسة الكاثوليكية يعثر فؤاد على لوحة ثمينة لمريم العذراء مثبتة على أحد جدرانها منذ أن تبرع بها جده إبراهيم صهيون قبل سبعة عقود فاستوقفته وهو يقول «حّن قلبي». جدل في المطعم وداخل أحد مطاعم حيفا ينشب نقاش سياسي عارض بين فؤاد وزوجته وبين زوجين إسرائيليين ما يلبث أن يسخن ليتحول الى جدل حول التهجير وإستقدام شعب على حساب شعب آخر وعودة اللاجئين للوطن. ويقطع المؤرخ الإسرائيلي التقدمي بروفسور إيلان بابه، الذي يطرح في الفيلم جوهر كتابه «التطهير العرقي في فلسطين» أن الصهيونية فرغت البلاد من أصحابها بخطة محكمة ومبّيتة قبل عام 1948 بسنوات. يأخذ الفيلم بوتيرة درامية سريعة مشاهديه إلى مخيم عايدة بجوار بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة عبر زيارة فؤاد وزوجته لعائلة ساجدة، وهي طفلة فلسطينية، قاما بتبنيها وتكفل نفقات تعليمها فيصطدمان بالجدار وبروايات العذاب الفلسطيني اليومية على لسان أم ساجدة خاصة عن ابنها الطفل المعتقل دون ذنب لـ 28 شهرا. وبالطريقة غير المباشرة هذه يذكر الفيلم للمتلقي كيف استكملت الصهيونية إحتلال القسم الثاني من فلسطين بعد 20 عاما لتصبح حيفا وبيت لحم «بالهم سواء». على خلفية الجدار الأسمنتي العملاق والبشع الذي يسلب الفلسطينيين حريتهم ويحاصرهم داخل سجن كبير يتساءل فؤاد إن لم يكن هذا نظام فصل عنصري فلا أفهم ماذا تعني أبارتهايد؟ وتنعش الفنانة أمل مرقص آمال فؤاد في العودة وهي تغني في أفياء شجرة زيتون يصاحبها عازفا العود والناي أغنية «حجار فوق حجار صاروا دار» فتخفف بصوتها الفيروزي وطأة المشاهد الثقيلة. بما يشبه الرسالة يجزم المؤرخ بابه، في نهاية الفيلم أن إسرائيل دولة عنصرية لا تقبل بغير اليهود وأن عودة الفلسطينيين تتم فقط بالنضال الطويل والعنيد، لكن فؤاد لا يصبر ويحلم بالعودة بواسطة جواز سفره الكندي. وفي نهاية المشهد السينمائي يقول أنه متشبث بحلمه بالعودة وبالإستثمار في حيفا وأن تصبح فلسطين من البحر للنهر دولة ديمقراطية واحدة راجيا أن يتحقق ذلك في حياته. تعود أمل وتذكّر قبيّل نهاية الفيلم بمقطوعة رمزية بأنها ليست مسافرة ووطنها ليس بحقيبة في إنشادها قصيدة الراحل محمود درويش. احتفاء بالفيلم بعد الفيلم رحّب د.سهيل أسعد نائب رئيس بلدية حيفا التي يعيش فيها اليوم نحو 30 ألف نسمة، بصاحب الدار العائد وقدّم له باسم رئيس البلدية الإسرائيلي يونا ياهف هدية على شكل ألبوم صور ضخم بعنوان «حيفا اليوم». واعتبر أسعد أن المهندس فؤاد صهيون ظاهرة فريدة لتصميمه على العودة وعلى مراجعة السلطات الإسرائيلية دون ملل وكلل بواسطة محامين ليتمكن من اقتناء عقار في مدينته بهدف الإستثمار. ودعاه أسعد لتحقيق حلمه والعودة بواسطة جوازه الكندي للمساهمة في مسيرة فلسطينيي الداخل الباقين في وطنهم والمحافظة على ما تبقى من الملامح الفلسطينية لحيفا. من جهته شكر فؤاد صهيون المشاركين واستذكر كيف أصيب موظفو مطار «بن غوريون» في اللد بالدهشة لملاحظتهم أن جواز سفره الكندي يتضمن فقرة «ولد في حيفا». وعبر عن غبطته لكونه في بلده وبين شعبه ولفت إلى أن الفيلم رسالة تشجيع لكل حملة الجوازات الأجنبية للعودة للوطن منوها أنه عرض الفيلم في باريس وكيبيك الكندية فيما منع في مهرجانات سينمائية في القسم الإنكليزي من كندا وفي مهرجانات سينمائية أمريكية. وما هو شعورك الآن وقد سلبوا منك مدينتك حيفا وأعادوها لك ألبوم صور؟ سألت «القدس العربي» فقال فؤاد إن السؤال أثاره وأعجبه لأنه يوجز مسيرة الفلسطينيين وقضيتهم مؤكدا أن حيفا تبقى بلده بصرف النظر عن الهدية وعن عنوان ألبوم الصور جديدة كانت أم قديمة. واضاف إن الفلسطيني عانى التمييز والقهر في كل مكان ولم ينج منهما حتى في دول عربية «يكفي أن تلفظ كلمة بندورة في لبنان حتى يتعرفوا على كونك فلسطينيا وتشكل تهديدا خطيرا وغير مرغوب بك…وهكذا في مصر منعنا من العمل». وتابع» لي شقيق يقيم في أثينا أقل دبلوماسية مني يرفض زيارة حيفا ويقول: أخشى أن يسألني رجال الأمن في المطار: ماذا تريد أن تفعل هنا وعندئذ لن أتردد في إجابتهم: أنتم شو تعملوا هون في وطننا؟». ويضيف إنه يعتز بمحافظة الباقين في الوطن على قيمهم وهويتهم وأبدى سروره بلقائهم مؤكدا أن حيفا بلده وأن الغضب المزمن من كل شيء لا مبرر له. وردا على سؤال عن عنوان الفيلم واحتمالات تحقيق الحلم قال إنه يكاد يموت دون ان يحلم وأنه عادة يحقق كل أحلامه، مشددا على حيوية استثمار فلسطينيي الشتات داخل وطنهم. ويضيف «على الأقل سأعود مرة كل سنة وأنا بصدد ملاحقة موضوع عمارة ويندزور» التي ترفض حتى الآن «مديرية أملاك الغائبين» بيعها وتطلب تأجيرها لمدة قصيرة فقط. فؤاد الذي زار حيفا للمرة الأولى في نهاية التسعينيات قال إنه كان يسمع من أهله أنها عبارة عن ملتقى جبل وبحر وإنه وجدها مدينة مدهشة وأحس أنه يعرفها جيدا فقبل ترابها فور بلوغها. «إنها تشبه الاسكندرية وبيروت وأن أجمل ما فيها شعبها الأصيل، الكريم والطيب أما عمارتها فساحرة لا سيما أنها تعكس وجه فلسطين». ونالت حيفا إعجاب زوجته هلا خوري المهندسة التي تعرف عليها أيام الكويت وظهرت في كثير من مقاطع الفيلم. وهي تقول لـ «القدس العربي» إنها أدهشتها بجمالها وبصمود المتبقين فيها مثلما استرعت انتباهها أجواء التسامح والعلاقات الإنسانية بين الاسرائيليين والفلسطينيين فيها اليوم. وعن مبادلة حيفا بألبوم صور قالت هالة التي كانت تصغي للحوار مع زوجها «أحببت السؤال فهو يعبر عن القهر عند هذه الفتاة وهو قهر صحي يبقي الفلسطينيين خاصة الشباب، في حالة استنفار ونضال من أجل استعادة حقوقهم». وعن جواب زوجها تابعت بلهجتها اللبنانية:»جواب رجل عمره سبعين سنة، واقعي وحكيم». هالة التي تظهر في الفيلم مرافقة لزوجها تنوه أن رسالته الأساسية تعريف العالم على القضية الفلسطينية من خلال قصة شخصية. 21/6/2014 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |