التتريك والتهويد والمطران حجّار - سهيل عطاالله
إنه سليل عائلة الحجار وهي عائلة دمشقية عربية مسيحية استقر أفرادها في بلاد الأرز حيث وُلِدَ السيف الدمشقي ليكون فيصلا يصون الحقّ ويبتر الباطل.. يصون حقّ المسيحي المشرقي في عروبته وأوطانه، ويبتر باطل الدخلاء والعملاء في تهميش دور المسيحيين تاريخًا وهويّة.

أسمَوه مطران العرب وخاطبوه في كلِّ محفل سيدًا لطوائف مجتمعة في طائفة واحدة اسمها فلسطين. عندما قَدِمَ من ديره اللبناني ليتبوأ كرسي أبرشيتنا في الجليل وقف أمام أجدادنا قائلا: "لم يعد لي أهل سواكم فأنتم أهلي يا أهل فلسطين وسأرفع من شأنكم بين الأمم". لقد حارب التتريك واستبداد عبد الحميد الثاني فحكم عليه هذا المستبد بالإعدام الغيابي وكانت جريرته انه ذهب إلى فرنسا قبل نشوب الحرب العالمية الأولى لا ليستجدي بل لينادي بحق الفلسطينيين بفلسطين لاعنًا مؤامرات الغرب في دق الأسافين بين مسيحيي ومسلمي المشرق العربي.

إن ذهابه لفرنسا أغاظ العثمانيين المستبدين. يوم زارها لم تكن فرنسا في جبهة ضد تركيا ولم يعلم احد ان طبول الحرب ستقرع. لم يرق مشروع الحجار الوطني العربي لمهندسي التتريك.. لقد أوصل الحجار صوته إلى الغرب مؤكدًا ان الوطن لأهله المسلمين والمسيحيين. لقد سحب الباغي التركي فرمان تعيين الحجار أسقفا في فلسطين وحكم عليه بالإعدام غيابيًا. ونشبت الحرب ومطران العرب خارج الوطن وعندما همّ بالعودة إلى فلسطين نصحه بطريرك مصر كيرلس الثاني ألا يفعل ذلك فسيوف بني عثمان تنتظر عنقه.

أثناء وجوده في مصر انتقل البطريرك المضيف إلى الاخدار السماوية عام 1916 فأبّنه ضيفه الحجار وكان بين الحاضرين سعد زغلول الذي همس في أذن شاعر القطرين خليل مطران: "كيف لا يكون هذا المطران الجليل ذا شهرة عظيمة وهو ابلغ خطيب عربي سمعته".

لم يعد الحجار إلى أبرشيته الجليلية حتى وضعت الحرب أوزارها ورحل الأتراك وجلاوزتهم عن فلسطين. عاد الحجار إلى مطرانيته في عكا ليحارب بصوته وخطابه وعد بلفور وتهويد الوطن.

في يوبيله الأسقفي على جبل الكرمل قال الشيخ أسعد الشقيري: "يا حجارنا.. اعتقدنا ان الكرمل فوق البحر، ولكننا تيقنا اليوم ان البحر فوق الكرمل". بهذا الكلام أراد شيخ فلسطين ان يقول ان بحر الحجار في الوطنية والبلاغة يعلو شامخًا فوق التضاريس. وفي ذاك الاحتفال هدرت أمواج البحر بين شفتي كاتب بلدية حيفا رشيد الخوري وهو يقرأ قصيدة صديق الحجار شاعر القطرين خليل مطران:

بورك في خلقك المليح

يا أشبه الناس بالمسيح

لقد أشاد العرب الشرفاء بمواقف الحجار الوطنية الجليلة فهو الذي ناهض تقسيم فلسطين. عندما حاول الغرب وبثيابه الصهيونية تجنيد بعض مسيحيي لبنان وعلى رأسهم المطران اغناطيوس مبارك لمباركة التقسيم نهض الحجار بوطنيته وعروبته ومسيحيته المشرقية رافضًا ومفندًا ولاعنا ما باركه المطران مبارك.

ارجو ان يتمسك زعماؤنا في هذه الأيام بأفكار مطران العرب.. ما أحوجنا في هذه الأيام إلى قادة دين ودنيا لتغييب أفكار وفحيح الظالمين من حكام بني عثمان ومشايخ الخليج وعصابات الظلاميين وفتاوى التكفيريين قاتلي رجال الدين وخاطفيهم كي يبقى هذا الشرق وطن شموخ ومحبة لأهله كما أراده الحجّار في حياته وبعد مماته.

صباح الخير وتحية إعزاز وإجلال للصديق الباحث والمؤرخ د. جوني منصور الذي أتحفنا مؤخرًا بنشر كتابه: "رؤية معاصرة لحياة وأعمال المطران غريغوريوس حجار". كتاب جدير بان يقرأه كل الناس لتبقى جذوة الوطنية العربية مشتعلة وضاءة في أذهان مسلمي ومسيحيي هذه الديار.

14/1/2014





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com