لماذا صار سقراط اليوناني فيلسوفًا - د. محمد حبيب الله


سُقراط 470 – 399 ق.م، فيلسوف يوناني كان ينشر تعاليمه وآراءه شفهيًّا بين الناس وفي الأسواق والتجمعات البشرية- لم يترك أثرًا مكتوبًا. كان يقول: دعوا العلم في النفوس ولا تقيّدوا (تكتبوا) على جلود الحيوانات. أشهر طلابه أفلاطون الذي كتب عن أرائه وفلسفته، التي كان علم الأخلاق أساسًا لها. عالج سقراط موضوع الخير والشر، والعدل والظلم، وَبَيّنَ الأعمال الشريفة والوضيعة، قيل عنه انه أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض. ونظرا لانتقاداته الجريئة على نظام الحكم فقد حكم عليه بالإعدام، وفي مصادر أخرى ذُكِرَ انه مات بعد أن تناول السم. لم يتلق سقراط أجرًا على تعليمه.

من آرائه التربوية:

- اتباع مبدأ المحاورة لأنها أساس المعرفة.

- تتم المحاورة على ثلاث مراحل من اليقين إلى الشك إلى اليقين، وقد تبنى هذا المذهب بعده الإمام الغزالي والفيلسوف "كانت".

- آمن بأن المعرفة والفضيلة شيء واحد، والفلاسفة هم أصحاب المعرفة، وهم الجديرون بتولي المناصب الرفيعة في الدولة. كان سقراط يذهب مبكرًا إلى المنتزهات العامة وإلى الأسواق المكتظة بالسكان. وطريقته في نشر فلسفته انه كان يجذب الناس للحديث عن موضوع معيّن، مدعيًا أنه لا يعرف عنه شيئًا، وبعد أن يسمع أقوالهم "اليقين" كان يبدأ نقاشه عن طريق الأسئلة التي تثير "الشك" في نفوس سامعيه. كان يشجع الناس بأن أقوالهم صحيحة، لجعلهم يستمرون في النقاش والجدل والتعبير عن الرأي، وبعدها يحاول أن يبيّن بعض العيوب في إجابتهم واعتقاداتهم وآرائهم، ويفسح المجال لهم في الاشتراك في الحديث، ليصححوا ما وقعوا فيه من أخطاء، ويوضح لهم في النهاية الحقيقة (اليقين). هذا، وقد امتاز حواره بالشجاعة والإخلاص، كإخلاص المقاتل في ساحة الحرب كما وصفها تلميذه أفلاطون.

بقي أن نذكر انه كان لسقراط لثغة في لسانه تعيقه عن الكلام. وقد عالجها بوضع حصوة في فمه لكي يستقيم كلامهُ وبقي هكذا حتى ذهبت اللثغة من كلامه.

كانت زوجة سقراط، امرأة سليطة اللسان بينما كان هو الفيلسوف الكبير، الذي أوقف الفلسفة الإنسانية على قدمها، كما نعته الكاتب سيف محمد المرّي في مقال له في مجلة "دبي الثقافة – نيسان 2013". ويضيف ان سقراط ومن شدة غضبه عليها قال لها: "انكِ لا تعلمين حقيقة قدري، فلو حضرت درسًا واحدًا من دروسي لِتَرِيْ بأم عينيكِ قدري عند الناس، ولتغَيّري الكثير من طباعك". فلم تكذّب زوجته خبرًا، وانطلقت إلى ساحة الدرس، حيث ان محاضرات سقراط لا يمكن أن تضمّها الجدران لكثافة أعداد طلابه. ولما اكتمل الحضور بدأ سقراط في الحديث، وكان لا بُد له أن يرفع صوته كثيرًا.. والناس من حوله في صمت مطبق، وكلهم آذان صاغية له، وكان يفيض بالحكمة ويتدفق بالعلم، بينما كانت الزوجة تشد على أسنانها غضبًا من هذا الأحمق الذي يقول كلامًا لا تفهمه، في حين يجلس الباحثون في وقار واحترام. وعندما كان يتفرّق الناس يرجع سقراط مزهُوًّا ليرى انطباع زوجته عنه، وكيف كان الناس يُقدّرونَهُ، فيفاجَأُ بالماء البارد يَنصَبُ على رأسه فور دخوله المنزل، وتبادره زوجته بقولها: "ماذا كنت تصنع هناك أيها الأحمق؟ فقد رأيت الناس كلهم عقلاء جالسين في احترام، بينما أنت تملأ الساحة الهادئة صراخًا وهُذاءً كالمجانين!".

وأمثال سقراط كثيرون، وأمثال زوجته أكثر، من عدم التقدير لأهل العلم والمبدعين. وقد قيل "لا كرامة لنبي في وطنه"... وما أحوجنا اليوم إلى الكلمة الطيبة بدل الانتقادات اللاذعة. ما أحوجنا إلى النظر إلى نصف الفنجان الملآن، بدلا من النظر إلى نصف الفنجان الفارغ... ما أحوجنا إلى قول الحق واتباع الحديث الذي يقول "الكلمة الطيبة صدقة".

عن موقع الجبهة
2/3/20108







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com