![]() |
|
من أرشيف الأدب الفلسطيني:
راشد حسين 1936-1977: رمح لا يرتاح إلا في حضن الزيتون - فتحي فوراني ![]() في ذلك المساء الذي امتد حتى ساعات الصباح.. قال راشد بلهجة تفيض أسى وعلى شفتيه ابتسامة مرّة: "كم كان عمري يومها؟ لقد كان عمري أربعة وعشرين عامًا". وفي اليوم التالي جاء راشد إلى أهله السياسيين صديقًا وحبيبًا.. وعاد من جديد إلى "الجديد" مدشِّنًا صفحة جديدة بقصيدته "الحب والجيتو".. إذا لم تخنِّي الذاكرة. * ولد الشاعر راشد حسين في قرية مصمص في المثلث عام 1936، وانتقل مع عائلته إلى حيفا عام 1944. في عام 1948 وبسبب الحرب عادت العائلة لتستقر في قرية مصمص مسقط رأسه. * أنهى دراسته الثانوية في المدرسة الثانوية البلدية في الناصرة. * عمل معلمًا لمدة ثلاث سنوات ثم فُصل من عمله بسبب نشاطه السياسي. * عمل محررًا لمجلة "الفجر" الأدبية. * ترك البلاد عام 1967 إلى الولايات المتحدة حيث عمل في مكتبة منظمة التحرير هناك. ثم سافر إلى دمشق عام 1971 للمشاركة في تأسيس مؤسسة الدراسات الفلسطينية، كما عمل فترة من الزمن في القسم العبري في الإذاعة السورية. * عاد إلى نيويورك عام 1973 حيث عمل مراسلا لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا". * توفي في بيته في نيويورك عام 1977 في ظروف غامضة. وقد أعيد جثمانه إلى مسقط رأسه حيث ووري الثرى في موطنه الأول قرية مصمص. * منح اسمه وسام القدس للثقافة والفنون في عام 1990. من أعماله: * مع الفجر - ديوان شعر ( 1957) – مطبعة الحكيم- الناصرة. * صواريخ - ديوان شعر ( 1958)- مطبعة الحكيم- الناصرة. * حاييم نحمان بياليك - نخبة من شعره ونثره - ترجمة - تل أبيب ( 1966). * أنا الأرض لا تحرميني المطر- ديوان شعر ( 1976). * قصائد فلسطينية – لجنة إحياء تراث راشد حسين- دار القبس- عكا- 1980 * ديوان راشد حسين - الأعمال الشعرية الكاملة - بيروت. *إن راشدًا ميتًا أمضى حدًّا منه حيًّا!* يأبى الرمح الفلسطيني الأسمر إلا أن يعود ولو محمولا في كفن إلى صدر الأم التي أرضعته فعشقها حتى الموت! يأبى يوليسيز الفلسطيني إلا أن يمتطي أشرعة المنفى ممتشقًا سيف الغربة، خارجًا من مذبحة إلى مذبحة، متحديًا غضب البحر وحد الخنجر.. ويحط الرحال في أحضان الزيتون.. على هضبة تربض في أرض الكبرياء! يأبى راشد إلا أن يغمد في حضن هذه الأم الأصيلة.. في قلبه حلم وفي يده رسالة! ** عندما جاءت جماهير شعبنا لتصبّ في المثلث بحرًا بشريًّا هادرًا.. جاءت لتزفّ راشد إلى عروسه.. إلى الأرض الطيبة. وعندما تدفّق شعبنا من الجليل والنقب والمثلث والضفة المحتلة وغزة المحتلة.. على ساحة الوغى الفلسطينية.. هرولت "الإمبراطورية العظمى" وأرسلت طائرات الاستطلاع لتحوم في سماء الجنازة.. وتضرب حصارًا جويًّا على العرس الفلسطيني.. وعلى جثمان الشهيد الذي أثار الرعب في قلوبهم وطيّر النوم من عيونهم. إن راشدًا ميتًا أمضى حدًّا منه حيًّا. • هكذا الشهداء! فقد هرولت نسور السلطان الفضية الغبية لتواجه شعبًا بأسره منتصب القامة مدججًا بالعنفوان والكبرياء.. شعبًا من النسور التي رضعت شعر راشد وحملته في قلبها ودمها قبل أن تحمله على أكفّها في المشهد الأخير من الملحمة. فما الذي أرعب المؤسسة؟ ولماذا هرول السلطان الأهبل شاهرًا سيفه فوق رأس هذا الشعب المكلل بجثمان الشهيد؟ لقد أرعبهم ذلك الشاب الأسمر الذي انطلق من تراب المثلث النازف.. رمحًا مصوبا إلى قلب الجنرال. لقد أرعبهم راشد الذي رفض الذل لشعبه.. فاستل قلمه وأشهره في وجه المؤسسة دفاعًا عن شعبه الخارج من حرائق الكارثة. وقف راشد في خط الدفاع الأول.. والتحم بنضال شعبه ضد المؤسسة التي استهدفت تغييب هذا الشعب وإلغاء كرامته وتراثه وحضارته.. وفي أحسن الأحوال تحويله لوبرانيًّا إلى شعب من الحطابين وسقاة الماء. • راشد والحكم العسكري.. و"الأخ الكبير"! حين كان الحاكم العسكري رمز المؤسسة.. يصول ويجول متبخترًا متغطرسًا يدوس بجزمته الأوروبية التاريخية تراب الجليل وزيتونه الأخضر وكرامة ناسه الطيبين.. وقف راشد بقلمه الساخر ولسانه اللاذع.. فجرد هذه الغطرسة من نياشينها وبزّتها العسكرية وداس على شاربيها.. لقد انكشف الستار.. ومشى الملك عاريًا مبهدلا أثار سخرية الجماهير المسحوقة.. ويتحول "إيفان الرهيب" إلى فأر بائس يحاول عبثًا الفرار من المشهد الكوميدي الساخر. وحين يطارد "الأخ الكبير" عصافير الكلمة الشريفة والشجاعة، يتصدى له راشد بجرأة نادرة، ليقول له "إن صوت عصافير الحرية أقوى وأعلى وأشرف من هدير الطائرة"! وعندما تتطوع مطايا المؤسسة لتنفيذ سياسة النهج الاقتلاعي، يُسقط راشد ورقة التوت عن عوراتهم ويُميط اللثام عن وجوههم القبيحة وعن حقيقة الدور الذي رسمه لهم أسيادهم. وأمام الذين يتحكمون في جيل كامل من الأجيال الصاعدة.. يقف راشد متحدّيًا متصدّيًا.. فيحول بريشته هؤلاء السلاطين التعساء إلى أقزام صغار صغار أمام كرامة الإنسان الشامخة. وعندما ينفلت أخطبوط المؤسسة لمصادرة الأراضي العربية.. تنبري كلمات راشد وتلقي بنفسها تحت جرافات الاقتلاع لتحمي تراب الوطن بدم القلب ورمش العين. المجزرة! عندما تحزّ السكين في رقبة كفر قاسم.. يتدفق دمها شعرًا ونارًا وعاصفة.. فينفجر راشد غضبًا.. ويستحيل إلى بركان يمشي على قدمين. وعندما تولد "الجبهة الشعبية" رمزًا للبعث وعملاقًا يتحدى المخرز دفاعًا عن بقائه وكرامته القومية.. يطوق راشد جبينها بإكليل غار ويحدو القافلة المقاتلة حتى مطلع الفجر! • أكبر رافعة في العالم! لقد حمل راشد في قلبه همّ الإنسان الفلسطيني والإنسان العربي والإنسان الآسيوي والإنسان الإفريقي. كان همّه همًّا أمميًّا منحازًا إلى الغلابى والمسحوقين المتطلعين إلى طلوع شمس الحرية. في إحدى مقالاته يصف راشد الإنسان الفلسطيني الباقي في وطنه أنه "أكبر رافعة في العالم"! فهو يحمل هموم الفلسطيني "جمل المحامل" الذي ينزف في وطنه.. والذي يسير في درب الآلام حاملا دمه على راحتيه.. وحاملا صليبه على كتفيه.. ليقيم القيامة على رؤوس أعداء الشعوب. إنه يحمل وجع الفلسطيني الشريد التائه في المطارات.. الذي يتنقل من مطار إلى مطار ومن منفى إلى منفى.. في قلبه يسكن الوطن ومن عينيه تنطلق الحرائق والحمم البركانية. يأبى راشد إلا أن يتسلح برؤية بانورامية.. ويدرك شمولية المعركة ويحيط بأبعادها وآفاقها عالميًّا.. إنه يرى في انتصار الشعوب في معركة التحرر.. انتصارًا للثورة الفلسطينية.. وانتصارًا للإنسان الفلسطيني الذي تضرب جذوره عميقًا في تراب الآباء والأجداد. فانتصار الشعب العراقي.. انتصار للشعب الفلسطيني.. وانتصار الشعب الجزائري.. انتصار للشعب الفلسطيني.. وانتصار الوحدة بين مصر وسوريا.. انتصار للشعب الفلسطيني.. وانتصار شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.. انتصار للشعب الفلسطيني.. فإذا انتكست الثورة.. نزفت قلوبنا دمًا ولم نضيِّع البوصلة.. وإذا سقطت الوحدة.. تفجرت قلوبنا غضبًا.. وإذا سقط لومومبا على ربى الكونغو تفجرت براكين الغضب في الناصرة وانطلقت حممًا تنصبّ على رؤوس أعداء الإنسانية.. وتمد الناصرة يدها الرحيمة لتمسح جبين الشهيد المضرَّج بدمائه على ربى الكونغو.. ففرحنا واحد.. وحزننا واحد.. وكلنا في الهمّ شرق.. وقضية الحرية لا تتجزأ.. وفي جميع الانفجارات التحررية التي زلزلت خارطة الدنيا.. كان راشد بارومترًا لما يعتمل في صدر شعبنا في الجليل والمثلث والنقب وفي جميع أنحاء الوطن. كان راشد رادارًا حساسًا يلتقط الذبذبات الناعمة ويستشعر الزلازل ويتمثلها فتستحيل على يديه شعرًا يتفجر دماء ساخنة.. ويصبح الشاعرأنشودة شعب بأسره! • الغبار الأسود في تل أبيب! قبل مغادرته أرض الوطن بأشهر قليلة، التقينا في تل أبيب في لقاء ثقافي شارك فيه المبدعون عربًا ويهودَ. وعلى هامش اللقاء، في جلسة حميمية.. جرى بيننا حديث مطول أنهاه راشد بالتعبير عن رغبته في المجيء إلى حيفا وإلى اللقاء بالأصدقاء محمود درويش وسميح القاسم وباقي الأحبة والأصدقاء. ففي تل أبيب كان يشعر بغربة خانقة يغطي سماءها غبار أسود.. قطعه عن جذوره وعن موقعه الطبيعي في خط الدفاع الأول. كان راشد في تل أبيب بعيدًا عن أصدقائه وأهله السياسيين الحقيقيين. • حين يجوع التاريخ! وكان في بيتنا في حيفا لقاء.. راشد ومحمود وسميح وأصدقاء آخرون. في ذلك المساء.. سقطت الأختام عن الصناديق المقفلة. وكانت مكاشفات ومعاتبات. وكان نقاش حول مقال "حين يجوع التاريخ" الذي كتبه راشد في فترة الكبوة الناصرية.. وأثار ردود فعل عاصفة. ففي تلك الفترة عقد أحد الأحزاب الصهيونية قرانه على القومية العربية! فارتدى لباس القومية العربية ووضع على وجهه قناع الناصرية.. وراح يطعن في خيرة أبناء شعبنا.. الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم.. ووقفوا في الخنادق الأمامية دفاعًا عن بقائنا في وطن آبائنا وأجدادنا.. ودفاعًا عن حاضرنا ومستقبلنا.. في ذلك المساء الذي امتد حتى ساعات الصباح.. قال راشد بلهجة تفيض أسى وعلى شفتيه ابتسامة مرّة: "كم كان عمري يومها؟ لقد كان عمري أربعة وعشرين عامًا". وفي اليوم التالي جاء راشد إلى أهله السياسيين صديقًا وحبيبًا.. وعاد من جديد إلى "الجديد" مدشِّنًا صفحة جديدة بقصيدته "الحب والجيتو".. إذا لم تخنِّي الذاكرة. عاد إلى أهله الحقيقيين.. وإلى مكانه الطبيعي في صفوف اليسار الثوري الشريف الذي رضع منه في بداية طريقه ونبتت على منابره أشرف كلماته. إنها شهادة حق لهذا الرمح الفلسطيني الذي أبى إلا أن يغمد في تراب أجمل الأوطان تحت زيتونة فلسطينية خضراء.. في قلبه حلم وفي يده رسالة. • إشارة (كتب هذا المقال بعد رحيل الشاعر ونشر في صحيفة "اليوم السابع"- باريس- السنة الرابعة- العدد 180- الإثنين 19 تشرين الأول 1987 ولم ينشر في مكان آخر) ![]() صور من ايام الشباب: محمود درويش، راشد حسين وإميل حبيبي هي ... والأرض - للشاعر : راشد حسين " باع َ أرضَهُ للصهيونيين لِيدفَع مَهرَ خطيبتِهِ فكتبت لَهُ": وبِعتَ التُراب المقدس يا أنذَلَ العاشقينْ لتدفعَ مهري؟! وتبتاع َ لي ثوبَ عُرس ٍ ثمينْ . فماذا أقولُ لطفلك لو قالَ : " هل لي وطن " ؟ وماذا أقولُ لهُ إن تساءَلَ : " أنتِ الثَمَن" ؟!! سحبتَ الحواكيرَ من شَعرِها وبعتَ جدائل زيتونها وأرخَصتَ في السوق ِ عرضَ السُهول ِ وخُنتَ وفاءَ بساتينِها ومزقتَ حلماتِ ليمونِها وبعتَ جدائلَ زيتونِها! *** أتفضحُ والدةً أرضعتكَ لتَستُرَ عِرضي ؟ وتترُكَ هذي البيادرَ جوعى ليَشبَعَ رَوضي ؟ أمن وَجعِ ألأرض ِ .. تَصنَعُ أفراحَ قلبي الحزين؟ أعُريُ البيادرَ يا نذلُ يُلبسني ياسمين ؟ 16-3-2013 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |