![]() |
|
![]()
يكفي تشيدي ماتشا أن ينظر إلى شمس الصين، ليوقظ أجداده ويتحدث بصوت عالٍ، وبلغة غامضة يخاطب تلك الأرواح، ويكتب من وحي أولئك الذين شعروا بدفء الشمس في قديم الزمان.
أكثر كلمة يستخدمها تشيدي ماتشادا في أشعاره كلمة «وطن». وبالفعل هنا نحن أمام مرآة صادقة تعكس ثقافة قوميته وتاريخها وحضارتها، وذلك في المجوعة الشعرية المترجمة «لهيبُ نارٍ وكلمات» الصادرة حديثاً عن دار الساقي، والتي قام بترجمتها سيد جودة، وقدّم لها الشاعر الكبير «أدونيس» الذي جاد قلمه بما يكفي لتعريف القارئ العربي بتشيدي ماتشا: «هوذا، إذاً، صيني جديد يسير على طريق الحرير الشعرية بين بلاد الصين وبلاد العرب. سأتخيل سندبادا مزدوج الجنسية - صينيا عربيا يمتطي موجة الشعر في سفره على هذه الطريق. كل شاعر حقيقيّ سندباد يعرف أسرارَ هذه الموجة. والسرّ الأعمق في هذه الموجة هو أنّها لا تُرى، حقّاً، إلا بوصفها حركةً متواصلة في بحر الشعر». لم يوفر أدونيس كلاما جميلا يمكن أن يقال بحق شاعر، إلا وقاله عن ماتشا، الشاعر الصيني الذي ينتمي إلى قومية «يي»، شاعر شهـير، وكاتب وخطاط. ولد في 1961 في مقاطعة سيتشوان. حائز جوائز عالمية عدة، وترجمت أشعاره إلى غالبية لغات العالم. إنه من صنف أولئك الشعراء الذين يكرسون موهبتهم للتغزل بأوطانهم: «أنا تاريخٌ تكتبه هذه الأرض بلغة «يي»/ أنا رضيع امرأةٍ لم ينقطع حبلها السرِّيُّ/ اسمي المفعم بالأمل/ اسمي الموسوم بالجمال/ اسمي المليء بالأمل/ غزلته امرأةٌ/ انجبت منذ آلاف السنين قصيدة للرجولة». أراد لقصائده أن تكون تسجيلا لتاريخ قوميته وأساطيرها وأبطالها وأجدادها وفلسفتها. لا تكاد تخلو قصيدة من إشارة لقومية «يي» بشكل أو بآخر، مما جعل ماتشيا شاعرا ذا نكهة خاصة قد لا يشاركه فيها شاعر آخر. لا يكتفي ماتشيا بحبه لقوميته ولوطنه الأكبر الصين، بل يمتد حبّه ليشمل هذا الكوكب الأرضي، وكل ما عليه من حضارات مختلفة، معلناً حبّه للحياة ذاتها. يتجلى هذا في كمّ القصائد التي كتبها تشيدي ماتشيا إهداءً إلى شعراء من جنسيات وثقافات مختلفة، فيقول مخاطبا أحد الهنود الحمر: «أيها الهندي في أمريكا الجنوبية/ تذكرت أنّ هناك شمساً خالدة/ تحولت إلى كفِّ أمّ/ تذكرت القبائل الحرة في البراري/ الرجال سريعون وعنيفون كأنهم صقور/ والنساء رقيقات كأنهن ماء». كما يقول في قصيدة أخرى مخاطباً بها محمود درويش بعنوان «هوية»: نعم، كل مرة/ يا درويش، يا أخي العزيز/ يغمرني حزنٌ لم أعرفه من قبل/ صليتُ لهؤلاء الذين فقدوا أوطانهم من أجل المساواة والعدالة/ ليس فقط لأنهم/ فقدوا الأرض التي تحفظ وجودهم». نصوصه ثرية بالمشاركات الوجدانية باسم الأخوة في الشعر والانسانية، وهذا يجعل منه شاعرا كونيا، لعل من أجمل قصائد الديوان قصيدته عن «آنا اخماتوفا»، الشاعرة الروسية الكبيرة التي يخاطبها ماتشا قائلا: «أنتِ يا ضمير روسيا! هناك من رأى فقط - نعمتك وأناقتك وجمالك الآتي من عمق عظامك/ من يعلمُ أنك مراراً وتكراراً عبرتِ الجحيم! هؤلاء الذين لعنوكِ - لا شك - عظامهم الموصولة بالقيل والقال/ تعفنتْ منذ عهد بعيد في غبار الزمن». ماتشـا يعـلن ثقـته بحقيـقة أنـه مـن خلال اللغة الأم يتعلم الأحفاد ملامسة روح كل شـيء في أوطانهم. السفير اب 2014 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |