قلاع وأحياء قديمة وأبراج… الزلزال يصيب آثاراً سورية بأضرار «بعضها خطير» - زينة شهلا


في حي الجلوم وهو واحد من أقدم أحياء مدينة حلب، لا يصعب على الزائر الإحساس بذرات غبار تتطاير في الجو، وحجارة متساقطة حديثاً تملأ الأزقة الضيقة نتيجة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا قبل قرابة أسبوعين، وتختلط مع تلك التي تسببت بها نيران الحرب التي عاشتها المدينة. «الدمار القديم يكون داكناً فيما الدمار الجديد يبدو لونه الأبيض أكثر وضوحاً» هي وسيلة أهالي المدينة لتمييز ما عاشوه من كوارث متتالية خلال الأعوام الأخيرة.

وفي معظم أحياء حلب القديمة وصولاً إلى قلعتها التاريخية، تسبب الزلزال وما تبعه من عشرات الهزات الارتدادية، الذي ذهب ضحيته عشرات الآلاف في كل من تركيا وسوريا، بخسائر مادية بعضها بسيط والآخر يصل لدرجة «الخطورة».

ولم يقتصر الأمر على حلب بطبيعة الحال، ففي مختلف المحافظات السورية التي أصابها الزلزال وهي، اللاذقية وطرطوس وحماه وإدلب، وصولاً إلى حمص، سُجلت تصدعات وانهيارات وتشققات وانزياحات، وما زال العمل على إحصاء كل الأضرار بشكل مفصل ودقيق جارياً حتى الآن، لكن يمكن القول إنها شملت عشرات المناطق والمواقع التي يعود تاريخها وطرازها المعماري لعصور مختلفة، وتشكّل إرثاً ثقافياً غاية في الأهمية للبلاد.

قلعة حلب وبرج صافيتا وقلعة المرقب

في حلب، نشرت المديرية العامة للآثار والمتاحف، تقريراً مفصلاً عن الأضرار التي طالت القلعة بشكل أساسي، وهي من أكبر القلاع في العالم وأكثرها تحصيناً. وتشمل هذه الأضرار التي صنفت ما بين المتوسطة وفوق المتوسطة، البرج المتقدم وهو باب القلعة الرئيسي مع هبوط في سقف القوس الحامل للمدخل وتصدع البلاط وسقوط حجارة من القنطرة، والأسوار الدفاعية في الاتجاهات كافة، وواجهات مئذنة الجامع الأيوبي التي حدثت فيها تصدعات، إلى جانب انهيار مداميك في واجهات صحن الجامع، وانهيارات في مدخل البرج المملوكي، وأجزاء من الجدار الجنوبي للثكنة العثمانية، وتصدع سقف وواجهة البرج المملوكي، وتشقق مدخل قاعة العرش، وانهيار كبير لصومعة الطاحونة العثمانية.

وتعرض متحف قلعة حلب كذلك لتصدعات وتشققات في كثير من العناصر الإنشائية. وفي مدينة حلب القديمة المدرجة في قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي المعرض للخطر منذ عام 2013، سجلت انهيارات وتصدعات في مبانٍ سكنية خاصة، وأضرار إنشائية بالغة منها، سقوط سقوف وجدران وأجزاء من واجهات ضمن أحياء منها حي العقبة التاريخي والجلوم وجادة الخندق وقرب باب أنطاكية، وفي كامل المدينة سقطت مآذن بعض الجوامع التاريخية.

وفي محافظة طرطوس، تضررت قلعة المرقب التي تشرف على مدينة بانياس الساحلية ويعود تاريخ بنائها للقرن الحادي عشر، فشهدت انهيارات وتصدعات في المباني داخل القلعة والأبنية السكنية في حرمها، وسقوط كتل من الأبراج، وعلى المستوى الداخلي هناك الكثير من التصدعات والتشققات والانزياحات لمكونات القلعة. كذلك قلعة الخوابي ويعود تاريخها إلى القرن العاشر، فانهارت أجزاء من أبنيتها الأثرية، وتصدع الجامع الخاص بها وبقايا القرية السكنية. كما تضررت قلعة القدموس التي انهارت أجزاء من بعض الأبنية السكنية داخلها، وتساقطت حجارة من قوس المدخل الرئيسي للقلعة والجرف الصخري الحامل لها. وهذه القلعة بنيت في القرن الحادي عشر وتتميز بأنها ذات طبيعة صخرية مكونة من طبقات عدة.

قلعة حلب وا?ثار الدمار في الزاوية اليسرى على ا?حد الا?براج



كما لوحظ وجود تشققات خطيرة جديدة في كاتدرائية طرطوس وتوسع للشقوق القديمة فيها، وأضرار في برج صافيتا الأثري منها تهدم جدار وتوسع بعض الشقوق وظهور تشققات جديدة وسقوط بعض أجزاء من الحجارة داخل البرج وخارجه، وظهور تجويف في أرضية الطابق الأول، وهناك أيضاً أضرار في سور المدينة الواقعة شمال طرطوس. وشملت الأضرار في المحافظة كذلك مواقع أثرية أخرى منها قلعة العليقة، ومعبد حصن سليمان، ومقام المولى حسن، وخانات سمريان.

وفي محافظة اللاذقية، أصاب ضرر كبير قلعة صلاح الدين الأيوبي التاريخية، مع تشققات خطرة وانهيارات في أبراج وأسوار عدة، وتساقط بعض الحجارة من البرج الملكي، إلى جانب انهيارات وتشققات طالت قلعتي المهالبة والمينقة. وشملت الأضرار أيضاً متحف اللاذقية ومسرح مدينة جبلة، إضافة إلى بعض المناطق والمباني الأثرية وسقوط لبعض المآذن في مدينة اللاذقية نفسها.

في محافظة حماه، طالت الأضرار مباني تاريخية وأثرية في المدينة القديمة، وقصر العظم التاريخي الذي شهد تشققات وسقوط لبعض الحجارة، وقلعة شيزر التي تقع على نهر العاصي شمال حماه، إذ سقطت أجزاء من السور الخارجي لها، وشملت الأضرار أيضاً قلاع المضيق وشميميس وأبو قبيص، وقصر ابن وردان والكنيسة المجاورة له. وفي إدلب أيضاً سجلت أضرار كبيرة في متحف معرة النعمان الذي كان يعاني أساساً من كثير من الأضرار بسبب الحرب، فأدى الزلزال لانهيارات جديدة لأجزاء من المتحف وتصدعات وتشققات في الواجهات وفي جدران المبنى الذي كان من المزمع البدء بأعمال ترميمه خلال الفترة المقبلة. كما طالت الأضرار العديد من مواقع المدن والقرى المنسية أو الميتة في ريفي إدلب وحلب.

وأخيراً في حمص وهي المحافظة الأقل تأثراً، حدثت أضرار محدودة داخل المدينة القديمة، وشملت بعض المباني في قلعة حمص، وكذلك حصلت انهيارات في جدران قلعة الحصن وبعض الأبراج ومنها برج الظاهر بيبرس، وبرجان دفاعيان في الجهة الجنوبية والجنوبية الشرقية، والقلعة تعود لفترة الحروب الصليبية ولها أهمية تاريخية وعمرانية كبيرة.

حاجة عاجلة للترميم والحماية

هذه القائمة التي قد تطول، ولم ينتهِ العمل على إحصاء كل المواقع التي تشملها بشكل دقيق ونهائي، تستدعي إجراءات عاجلة وضرورية لصيانة وترميم وحماية المواقع المتضررة وغيرها من أماكن قد يحتمل تضررها مع تكرار الهزات الارتدادية، وهو عمل ليس بالسهل، كما يشير المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا نظير عوض، في حديثه لـ«القدس العربي». يقول المتحدث: «لدينا تخوف من حدوث أضرار جديدة على المواقع الأثرية السورية في المستقبل القريب نتيجة الهزات الارتدادية. على سبيل المثال ما حدث ليل الاثنين العشرين من شباط/ فبراير من هزة بلغت شدتها أكثر من ست درجات، فاقم الأضرار الحاصلة من الزلزال الأساسي، وأدى إلى توسع الشقوق والتصدعات في أكثر من مكان، وانهيار كامل الطاحونة العثمانية في قلعة حلب». وزيادة خطورة الأضرار في قلعة المرقب التي باتت الآن من أكثر القلاع تضرراً».

ويؤكد أنه في حال عدم إجراء التدخلات المطلوبة، فإن هذه المباني من المؤكد أنها ستتعرض لمزيد من التصدعات والانهيارات، وقد نفقد أجزاء منها ليس بالقليلة. يشير عوض إلى أن الحرب التي تعيشها سوريا منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، ساهمت بتفاقم مستوى الضرر الحاصل، وأدت لتكون تداعيات الزلزال أكثر سلبية وخطورة، فكان تأثيره «مدمراً» على بعض المواقع الأثرية، وفق وصفه، رغم أن معظمها شيّدت بتقنيات فنية تجعلها مرنة ومقاومة للزلازل. ويشرح: «بعد سنوات من الحرب والحصار الاقتصادي وما نتج عنهما من استنزاف الموارد والمواد التقليدية واليد العاملة والخبرات، ضعفت قدرة المؤسسات الحكومية وكذلك السكان على ترميم وصيانة الأوابد الأثرية، فتراجعت هذه العمليات وكذلك الإجراءات الإسعافية، سواء التي كانت المؤسسات المعنية تقوم بها، أو حتى الأشخاص بالنسبة للبيوت السكنية القديمة، بذلك، أتى الزلزال الشديد ليجد الأبنية ضعيفة أمامه وليصبح الضرر مضاعفاً». ويشير إلى أن إجراءات عدة ستتخذ خلال الفترة المقبلة من قبل مديرية الآثار والمتاحف، ومنها ما يمكن أن يحمي المواقع الأثرية من أي ضرر محتمل مستقبلاً، وهنا يؤكد أن «هناك دوراً مطلوباً من المنظمات والمؤسسات الدولية وعلى رأسها اليونسكو، لكي تتدخل وتمد يد العون لحماية الإرث الثقافي السوري». يشمل هذا وفق حديثه الدعم اللوجستي والمادي لتقييم الأضرار وإجراء الأعمال الإسعافية وأعمال الصيانة والترميم.

ويختتم عوض بالقول: «هذه المباني لن تنتظر طويلاً، وعامل الزمن مهم ومؤثر، ومع الوقت ستزداد المشاكل والتصدعات وقد تحصل انهيارات أخرى خلال الصيف أو من الهزات الارتدادية. لذلك نحن بأمس الحاجة للمساعدة من كل المنظمات المعنية بهذا الشأن. لنتذكر جميعاً أن هناك مواقع أثرية مسجلة على لائحة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، منها قلعة صلاح الدين وقلعة الحصن ومدينة حلب القديمة، ما يعني أن واجب حمايتها وصيانتها وإعادتها إلى ألقها لا يقع فقط على عاتق السوريين وحدهم اليوم».





كاتبة سورية
عن القدس العربي
26/2/2023






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com