عودة الى أدب وفن

البيان الأساس لمؤتمر اتّحاد الأدباء الفلسطينيّين



حيفا – مكاتب "الاتحاد"- عمّم الناطق الرسميّ لـ"اتّحاد الأدباء الفلسطينيّين" الشاعر علي هيبي البيان الأساسي للاتحاد، وكان قد قدّمه أمام المؤتمر التأسيسيّ الأول "لاتّحاد الأدباء الفلسطينيّين" والذي انعقد في حيفا يوم الخميس الفائت الموافق 2014/6/19 وهذا نصّه كاملًا، كي يتسنى للجمهور العام الاطّلاع عليه.

من هذا التراب، من هنا، من حيفا، مهد الأدب ومَربى الأدباء ننطلق نحو النور، نحو ولادة جديدة لاتحاد أدباءَ يتعدّى الفئويّة ويليق بحركتنا الثقافيّة، ويضع نصب عينيه وفي الأساس، قضية ثقافتنا العربية الفلسطينية هنا في اسرائيل ورفع مكانتها وابراز اختلافها وتميّزها، ويسعى للأخذ بيد أدبائنا وادبنا ونشره في كل مكان وانخراطه في حياة الجماهير وهمومها. هذا هو الشعار الذي عملنا ودأبنا على ترسيخه على مدى 3 أشهر ماضية. لا ننسى نشاطًا ثقافيًّا مضى، بل عليه نرتكز ومنه ننطلق إلى الأمام. هذا حقّ لنا لا نفرّط فيه، وواجب علينا لا نتوانى أدائه.

مع إطلالة أمل جديد يتجدّد كتجدد الحياة، وبشعور بالمسؤولية المحببة للوطنيين المثابرين، دأبت مجموعة من الكتّاب والشّعراء على شدّ الهمم الأدبية المخلصة للتّجدّيد الدّائم لاتّحاد الادباء الفلسطينيين في إسرائيل. لقد كان المشترك الجامع بينهم الوطنيّة والإخلاص لقضية شعبنا الفلسطينيّ وحقّه بالسلام والتحرر والاستقلال ولقضية جماهيرنا العربية وحقّها في المساواة والكرامة، ولقضايا الإنسان والحقّ والعدل والحريّة في كل مكان وزمان، وكذلك كان همّهم الأكبر هو رفع مكانة الأدب والثّقافة العربيّة والإنسانيّة، في هذه البلاد التي يعاني فيها الإنسان العربيّ من ضياع الحقّ والعدالة والمساواة وتتراكم عليه وعلى لغته وثقافته وهويّته محاولات الطّمس والتّغييب، التي تمارسها السّياسات الرّسميّة للحكومات الإسرائيليّة على مدى وجودها.

مع هذا الأمل المتجدد تمضي هذه الكوكبة من الأدباء لتغني أغنيتها الجميلة كجمال ربوع بلادنا، العذبة كصدح العنادل، البريئة كوجه طفل فلسطيني، ولكنها أغنية مجنّدة تحمل أزيزًا يؤرّق أعداء الكلمة وأعداء الفنّ والأدب وأعداء التاريخ، في هذه البلاد التي يريدون للعربي فيها أن يبقى "غريب الوجه واليد واللسان". لا وجهُنا ولا يدُنا ولا لسانُنا غريبًا، انها بلون هذه الأرض، سمراء كسمرة التراب، خضراء كخضرة جبال الجليل، مخضّبة حمراء كجرح ثائر، بيضاء كوجه الحقّ.

من هنا ومن هذا الواقع المتميز ومن هذا الايمان الراسخ كالجرمق بصدق كلمتنا وعدالة قضيتنا يأتي تجديد اتّحاد الكتّاب كحاجة ماسّة وضروريّة لا تقلّ أهمية عن حاجاتنا الماديّة في الوجود، - ليس بالخبز وحده يحيا الانسان - ليس فقط كردّ على مسلسل المحاولات السّلطويّة، بل كذلك لإبراز هويّتنا القوميّة العربية ووطنيتنا الفلسطينية ورسالتنا الثّقافيّة الإنسانية، ولصيانة هذه الهويّة، بما فيها من وجوه ومضامين إنسانيّة عظيمة.

ولقد واصلت هذه المجموعة من الكتّاب والشّعراء وكوّنت لجنة تّحضيريّة وعملت بدأب على الاعداد لمؤتمر يجمع كلّ الأدباء، وقد عملنا على محوريْن: الأوّل هو إعداد مشروع الدّستور الذي سيُعرض على المؤتمر لإقراره. والثّاني العمل على توسيع الاتّحاد من خلال دعوة الكتّاب والشّعراء للانتساب إليه، ليشمل الاتّحاد أكبر عدد منهم في المناطق العربيّة كافّة، من الشّمال إلى الجنوب.

إنّه إنجاز كبير نحقّقه الآن بحضوركم، ليس خدمة للكتّاب والشّعراء أنفسهم وحسب، بل خدمة لجماهيرنا العربيّة وصيانة لثقافتنا وأدبنا وهويّتنا، ولن ننجح في ذلك إلّا إذا كان هذا الاتّحاد واسعًا وشاملًا وموحَّدًا.

إنّ الانتساب للاتّحاد اختيار حرّ وعلى أساس فرديّ، والموجّه الرّئيس لإشغال مؤسّساته وهيئاته هو الدّيمقراطيّة، وفقًا لما يقرّه المؤتمر من بنود في الدّستور، ولهذا نُهيب بالكتّاب والشّعراء ومن المشارب والانتماءات كافّة، وبغضّ النّظر عن تعدّد مواقفهم في الحياة والسّياسة والأدب، الغيورين على هويّتنا وشخصيّتنا العربيّة المتميّزة وعلى ثقافتنا الإنسانيّة إلى الانضمام للاتّحاد وتأكيد عضويّتهم فيه كي يتسنّى لهم المشاركة الفعّالة في النّقاش واتّخاذ القرار وممارسة حقّ التّرشّح والانتخاب للهيئات المختلفة.

إنّ نجاحنا في ذلك يجعل هذا الاتّحاد موحَّدًا وموحِّدًا وشاملًا ومنتشرًا بين جماهيرنا العربيّة من خلال نشاطاته، ويحوّله بالتّالي إلى مؤسّسة وطنيّة من مؤسّساتنا العربيّة التّمثيليّة في هذا الوطن الذي ليس لنا وطن سواه، والتي تهتمّ بمكوّن عظيم من مكوّنات هويّتنا الإنسانيّة والعربيّة والفلسطينيّة، ألا وهو الأدب شعرا ونثرا، قصة وقصيدة ونقدا ومقالة ومسرحا، كلّها كانت دائما وستبقى دائما تناضل مع الفلسطيني رديفًا وصديقا.

ولقد شهدت الساحة الأدبيّة في الأشهر الأخيرة حراكا متواترا لإطلاق مؤتمر تأسيسيّ للأدباء الفلسطينيين، وقد تنادى عدد من الادباء لبدء الاهتمام في هذا المجال، وقد كانت بداية ذلك في لقاء تحضيريّ عُقد في الـ 29 من آذار الماضي من السنة الجارية في شفاعمرو شارك فيه حوالي 30 كاتبا فقط، وبعضهم حضر بمحض الصدفة، وقد تبيّن أن الغالبيّة العظمى من الأدباء وهم حوالي 400 لم تعلم لا من قريب ولا من بعيد بهذا اللقاء.

أجمع الحاضرون على إطلاق اتحاد واحد من خلال مؤتمر تأسيسيّ يُدعى إليه الأدباء كافة وبما يليق وأدبنا الإنساني الرفيع، وانتُدبت للهدف لجنة تحضيريّة مفتوحة، بدأت عملها في الـ 17 من نيسان الماضي من السنة الجارية وبشكل موضوعي ونزاهة تصل حدّ حسن النيّة أعطى البعض فيها كل الطاقات خدمة للهدف المعلن: عقد مؤتمر تأسيسيّ شامل وواحد.

ولكن سرعان ما شهدت جلسات اللجنة تكتّلا راح يفرض القرارات المقولبة مسبقا، اعتمادا على أكثريّة في اللجنة التحضيريّة، وبما يتلاءم ومقاسات هذا التكتّل، ومن خلال تصرفات مستهجنة تمسّ صلب الآلية الديمقراطية في التعاطي مع الأمور، والالتفاف عليها بقرارات بلغت حدّ فرض أجندة المؤتمر بكل تفاصيلها، وبلا نقاش ودون اهتمام بحضور الأدباء، وبما يتلاءم مع ما هو مخطط منعًا واستباقًا لأي تغيير ممكن في القائم، أو امكانية للتجدد والتوسّع والشمول.

خلال هذه الأشهر عقد أعضاء اللجنة التحضيريّة الكثير من اللقاءات مع الأدباء في كل مناطق بلادنا، شملت بالأساس الأدباء ذوي الباع الطويل في الساحة الثقافيّة المحليّة، وحيثما تنظر هنا تجد، "والكواكب هنا لا تُعدّ". تمّ فيها عرض الموضوع وتبادل الآراء والتشاور، وبشكل مكثّف، أفضت إلى خلاصة غالبة إلى أننا بحاجة لاتحاد أدباء شامل مستقل يليق بحركتنا الأدبيّة يتعدّى الشخصنة والفئويّة، ولن يتأتى مثل هكذا هدف من خلال مؤتمر محدد على المقاسات القائمة، وإنما مؤتمر آخر شامل يكفل اشتراك أكبر عدد ممكن من أدبائنا وعلى أسس من الشفافيّة والديمقراطيّة.

عملنا جاهدين وبكل موضوعيّة من أجل اتحاد واحد ومؤتمر واحد تُحسم فيه الأمور ديمقراطيّا، ومن منطلق أن الوحدة مبدأ هام، ولكن الوحدة التي نفهمها هي وحدة رؤى حقيقية، وليست وحدة مصالح شخصيّة. وحين تعذّر الأمر بسبب القرارات المقولبة والمعدة على المقاس، وبات واضحا أن الوحدة المطروحة ما هي إلا "كلام حق يراد به باطل"، رأينا أن التعددية لا تقل مبدئية وأهمية عن الديمقراطية. فما بالك حين تكون الديمقراطية ثوبًا مفصّلًا على جسد واحد لا غير.

نودّ أن نبين أن المحاولات المحمومة لإقحام بعض الأحزاب في الموضوع والإشارة إلى الجبهة كتنظيم هي محاولة بائسة ودليل تخبّط، حقيقة هي أن في صفوف الجبهة الكثيرين من خيرة حملة الأقلام وليس عيبا أن يختاروا خيارهم، ولكن المحاولة باتهامها كتنظيم يقف وراء المؤتمر دليل إفلاس، والدليل الفاصل هو وجود مؤتمرين من الأدباء لا ينتمون للجبهة ولا لأيّ حزب، وهناك مستقلّون مختلفو الانتماءات فكريّا وسياسيّا واجتماعيّا.

وأخيرًا نحن ندعو الحضور من الأدباء أن يكونوا رُسل هذا المؤتمر إلى سائر الأدباء في بلادنا للانضمام والانتساب لهذا الاتحاد الذي يطمح للمضي قدمًا نحو تنطيم صفوفه وتحقيق أهدافه المعلنة.

وندعو جميع أدباء شعبنا حيثما وُجدوا للانضمام الى هذا الاتحاد، فهو مُلك الجميع، ليس وصيًّا على أحد الا أعضائه، ولا وصيّ عليه الا أعضاؤه.

أيّها الأدباء المحترمون:

يجب أن نعيش شرفاء، ويجب أن تعيش لغتنا وأدبنا وثقافتنا حيّة متطورة، ويجب أن نقول كلمتنا، ولا نصمت عن حقّ، وإذا متنا فلنمت واقفين كالأشجار.

قلها ومتْ

فأنت إن نطقْتَ متْ

وأنت إن سكتَّ متْ

قلها ومتْ

أدامكم الله ذخرًا لكلمتنا وثقافتنا وشخصيتنا وهويتنا، بكم تُصان اللغة ويُرفع من شأن الأدب، وتبرز الهوية في هذا الوطن الذي يسكن فينا كما نسكن فيه والذي لا وطن لنا سواه.

25/6/2014







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com