|
عودة الى أدب وفن
إضافة نوعية في " الدنيا غنوة" - رياض كامل
لقد كان نجاح رواد المسرح في بداية القرن العشرين حافزا هاما لأرباب القلم أن يكتبوا وأن يقدموا إبداعاتهم وكتاباتهم للفرق الناجحة في تلك الأيام. كما أن تلك الفرق، من خلال أعمالها، خلقت فرصة سانحة لمغنين اعتادوا أن يكتفوا بأداء أدوار شعبية أن ينضموا إلى هذه الفرق ويتحولوا إلى مغنين محترفين
يندرج العمل الفني "الدنيا غنوة" ضمن الأعمال المسرحية الاستعراضية، حيث شارك في العمل ثلاث وثلاثون فنانة وفنانا ما بين الرقص والغناء. وقد اقتصر الغناء على ثلاثة مواهب وهم: نانسي حوا هيثم خلايلة وميساء خشيبون. فرقة "سلمى" هي إحدى الفرق الفاعلة على ساحة المسرح العربي في بلادنا منذ أكثر من ثلاثة عقود. وقد اشتهرت بأعمالها المسرحية الاستعراضية خاصة. فمؤسِّسة الفرقة والمشرفة على أعمالها هي الفنانة الشمولية فريال خازن خشيبون التي اعتلت خشبة المسرح منذ بداية جيل الشباب المبكر. وهي تذكرنا برواد فن المسرح في العالم العربي الذين عملوا على تأسيس الفرق المسرحية، فكانوا هم المؤلفين والمغنين والراقصين والملقنين والمخرجين. ولذلك فإن فرقة سلمى تحمل ختم الفنانة فريال خشيبون. ومن شاهد أعمال الفرقة منذ تأسيسها وحتى اليوم قادر، بسهولة، على لمس الملامح التي تحمل الكثير من روح هذه الفنانة، في الرقص والغناء والتمثيل. إن صاحبة الفرقة، كما ذكرنا، صبغت فرقتها بنكهة خاصة وفريدة تحمل ختمها وهويتها الخاصتين، وبتنا نعرف مسبقا أن أي عمل ستقوم به فرقة سلمى سيكون الرقص عمدته. ولربما هذا الجانب هو الجانب الأقوى، نظرا لأن الفنانة تجيد الرقص الشرقي والغربي والتعبيري، وتعمل على تعليمه منذ سنين طويلة.إن كونها فنانة شمولية قد ساعد الفرقة على القيام بأعمال مسرحية تمثيلية من تأليف غيرها كمسرحية "حوض النعناع" للأديب محمد علي طه،أو القيام بعرض مسرحيات غنائية استعراضية راقصة بإشرافها وتدريبها هي. يعود نجاح صاحبة الفرقة ومؤسستها إلى عدة أسباب، منها القدرة على ضم مجموعة من الراقصات والراقصين، فضلا عن نجاحها في تجنيد ذوي المواهب الغنائية الرائعة كالفنان القدير عصام قادري صاحب الصوت الرخيم،الذي شارك الفرقة في أداء أجمل الأغاني الكلاسيكية لكبار المغنين المصريين في برنامجها الفني "على بالي". أما برأينا فالعمدة الرئيسية الداعمة لهذه الفرقة،ولسنوات طويلة،فهي الفنانة المبدعة سلمى خشيبون ابنة صاحبة الفرقة، التي اعتلت، بفضل والدتها، خشبة المسرح منذ سن مبكرة. وهي، أيضا، كوالدتها تجيد الرقص على أنواعه المختلفة، وتتميز عنها بصوتها العذب، وقدرتها العالية على التمثيل، إذ تألقت في الكثير من الأدوار، ليس فقط في فرقة سلمى، بل في أعمال تمثيلية أخرى كان أهمها برأيي المونودراما "رقصتي مع أبي". وقد أحسنت فريال في تجنيد طاقات هؤلاء الفنانين جميعا، مما ساهم في خلق حركة مسرحية عمدتها الرقص الاستعراضي والغنائي. وسيسجل لها التاريخ ولغيرها القلائل في بلادنا هذا الدور الريادي. *الجديد في العمل* لن نقوم باستعراض الاعمال الفنية التي قامت بها هذه الفرقة العريقة، وإن كنا نؤمن أن للتاريخ علينا حق توثيق أعمالها وأعمال غيرها من الفرق المسرحية، والمؤسسات الفاعلة على ساحة المسرح العربي الحديث في بلادنا، وقد قام غيرنا بذلك، وإن كنا ننتظر عملا متكاملا توثيقيا. بعد هذا الكم من العروض التي قامت بها فرقة سلمى لا بد أن يطرح السؤال ما هو الجديد في العمل الاستعراضي "الدنيا غنوة" ؟وهل هو إضافة نوعية إلى المدربة والفنانة فريال خشيبون وإلى فرقة سلمى عبر مسيرتها الطويلة؟ يندرج العمل الفني "الدنيا غنوة" ضمن الأعمال المسرحية الاستعراضية، حيث شارك في العمل ثلاث وثلاثون فنانة وفنانا ما بين الرقص والغناء. وقد اقتصر الغناء على ثلاثة مواهب وهم: نانسي حوا هيثم خلايلة وميساء خشيبون. لكل عمل مسرحي عناصره ومركباته وأهمها طبعا هو الحوار، وبما أن العمل استعراضي لذلك فإن الحوار الكلامي يتم التعويض عنه في مثل هذه الحالة من خلال الرقص التعبيري وإيماءات الجسد. وللتنويه، فقط، نقول إن العمل قد بدأ من خلال حضور أعضاء الفرقة يحملون أمتعة السفر،يستقلون حافلة تنطلق بهم، فيغنون الأغنية المشهورة "سوق على مهلك"، لكن سائق الحافلة، على ما يبدو، يرتكب حماقة كعادة بعض السائقين، فيعترض أعضاء الفرقة على طريقة سياقته، فما كان منه إلا أن غضب وتركهم وحدهم، ويستمر عرض اللوحات الغنائية الراقصة دون أن يتعدى الحوار الكلامي أكثر من جملة أو جملتين. تتوالى اللوحات الاستعراضية بشكل متواصل دون توقف ساعة من الزمن، أو أكثر،نستمع خلالها إلى مجموعة كبيرة من الأغاني العربية الكلاسيكية التي اعتدنا أن نسمعها بأصوات أصحابها الأصليين، ولكنا نسمعها هذه المرة بأصوات ثلاثة من المغنين الشبان الموهوبين.يرافق الغناء، في الغالب الأعم، مجموعة من الراقصين والراقصات. وأحيانا يخلو المسرح لشاب وصبية حين تفرض كلمات الأغنية ذلك فيؤديان حوارا غنائيا رومانسيا. وليس ضروريا أن يكون المغنيان هما اللذين يقومان بهذا الدور، بل قد يعبر شاب وصبية عن مضمون الأغنية من خلال الرقص. وفي أحيان أخرى تستغل مخرجة العمل والمشرفة عليه الستائر الشفافة كخلفية يتحرك خلفها الممثلون والراقصون،أو تنعكس عليها بعض المؤثرات البصرية وفق تعليماتها كي تكتمل الصورة. علينا في هذا السياق أن نشير إلى أن العدد الكبير من الراقصين على خشبة المسرح قد أضفى جوا حيويا لطيفا ورائعا،يساهم في تلوين اللوحة المعروضة، مما أتاح للمشاهد أن يتمتع بتماوج الحركات التي تتلاءم مع اللحن والكلمة. يعود ذلك إلى قدرة المدربة على تجنيد هذا العدد الكبير من الراقصين والمؤدين وتفعيلهم على خشبة المسرح ليقدموا إضافة نوعية على الأغنية التي كنا قد شاهدناها في الأفلام العربية الكلاسيكية.كما يتوجب أن نسجل نقطة أخرى لصالح هذا العمل وهي أن اختيار الأغاني كان موفَّقا جدا، لأنها في غالبيتها تحمل بعدا حواريا دراميا، وكلاما ناعما ورقيقا ولحنا ساحرا، يمتزج مع الحركة والأداء الراقص مما يضفي على العمل الكثير من الجمالية ومن خفة الظل. الرقص والأداء والانتقال من أغنية لأخرى كان سريعا جدا، ودخول وخروج الراقصين والمغنين على خشبة المسرح كان أيضا سريعا سلسا وموفقا. وهو عامل هام فالمشاهد يبقى مشدودا طوال الوقت للمتابعة والاستماع والمشاهدة. إن الحركة المسرحية أمر في غاية الأهمية وقد انتبه القيمون إلى هذا الجانب مما حول خشبة المسرح الجامدة أصلا إلى عامل حركة ديناميكية. *الربط والتناسق* إننا نعي أهمية الربط بين مركبات العمل الفني وأهمية التناسق بين الديكور والضوء والحركة، ونعلم أن أي خلل في إحداها من شأنه أن يصيب العمل الفني بعطب أو خلل، لكن السرعة في الحركة التي أشرنا إليها سابقا قد شاركها أيضا سرعة في تبديل الديكور البسيط والخلفية المتواضعة الشفافة التي تم استغلالها أفضل استغلال، برأيي، بحيث أتاحت للمشرفة على العمل، وبمساعدة التكنولوجيا المسرحية الحديثة أن تتبدل الصور والأشكال أمام المشاهد بسرعة وبتناسق كلي مع الموسيقى والكلمات والحركات. إن أي عمل فني استعراضي يفرض توافر كم كبير من المؤدين الذين يتمتعون بلياقة بدنية تتيح لأجسامهم أن تتماوج وتتحرك بصورة معبرة تعويضا عن الحوار الكلامي. وكما ذكرنا أعلاه فإن عمدة العمل المسرحي هو الحوار، ولكن الحركات التعبيرية في مثل "الدنيا غنوة" هي الحوار بعينه. فهل وُفق المؤدون دائما في أداء هذا الدور؟ أشرنا أعلاه إلى قدرة المدربة على تجنيد كم كبير من المشاركين، وقد ساهم هذا الكم من الراقصين في تلوين خشبة المسرح لا من خلال تنوع الأزياء وتبدلها فحسب، بل من خلال تنوع الرقصات وطرق التعبير، ولا شك لدينا أن قيام إحدى الراقصات بتأدية رقصة الباليه المرافقة لإحدى الأغنيات كان في غاية التوفيق، وكنت أتمنى تلوينات أخرى ومشاركات أخرى. وهنا نعلن أن مدى النجاح في أدوار الراقصين كان عاليا مع تفاوت ظاهر للعيان بين فرد وآخر. فهل نسلم بأن هذا أمر طبيعي؟ وكي لا يساء فهمي فإني أرى أن هذه هنات يمكن تفاديها بسهولة في العروض اللاحقة، كي لا يسمح لأي مشترك أن يمس بجمالية العرض، خاصة وأن العرض يتميز بخفة الظل. لقد تم توظيف جسد الإنسان في العديد من الأعمال المسرحية الأوروبية والعربية. وفي فترة من الزمن نادى بعض المسرحيين الأوروبيين بضرورة تقليص الحيز الكلامي لصالح الجسد الإنساني، لأن لغته التعبيرية لا تقل أهمية عن الحوار الكلامي. هذا الجانب يحتاج إلى تقنية عالية يجب الالتفات إليها وتطويرها أكثر، وإلا ما معنى نجاح كبار الممثلين من أمثال عادل إمام وسعيد صالح ودريد لحام وغيرهم؟ لقد عمدوا إلى جسدهم فنطق وعبر حزنا، أسفا وفرحا. لذلك أُهيب بكل من يقف على خشبة المسرح أن يعي هذه الحقيقة حتى لو كان هاويا، بالذات حين تكون المسرحية استعراضية لتتم عملية التعويض. ولا يحسبنَّ أحد منهم، مهما كان دوره قصيرا، أو كان فردا بين مجموعة، أن دوره أقل أهمية من غيره. إن الرقص الجماعي والاستعراضي أشبه بلوحة فنية لا تكتمل إذا لم تتناسق أصغر نقطة مع مجمل ما في اللوحة. لقد تمكنت المدربة من إبراز جوانب هامة في لغة الحوار الجسدي وبالذات في عملية المشاكسة والملاحقة والمطاردة والفرح فبرز للمشاهد مضمون الرومانسية في الكثير من الأغاني. يبقى أن نحذر البعض من مغبة الجمود كي لا يرهق جسد العمل دون وعي منه. لقد اختارت فريال خشيبون بمهارة عالية مجموعة من أهم الأغاني الكلاسيكية الرومانسية التي قدمها بخفة متناهية بالذات عبد الحليم حافظ، ومنها أغانٍ مشهورة قدمها برفقة المغنية الرومانسية شادية التي تألقت بهذه الأدوار. هذا الأمر فرض على القيِّمين على العمل حالة من التحدي للمحافظة على المستوى الفني الراقي الذي أداه عبد الحليم وشادية وفريد الأطرش وعبد الوهاب ومحمد فوزي وسعاد محمد والممثلة الرائعة صاحبة أجمل الأفلام الاستعراضية سعاد حسني وغيرهم. تحدثنا أعلاه عن نجاح الرقصات المعبرة ونجاح الرقص الجماعي، رغم التفاوت الذي أشرنا إليه أعلاه، إلا ان المهنية الذوقية تفرض علينا أن نعلن أن أداء المغنين الثلاثة كان قمة في الإتقان وفي الأداء وفي جمال الصوت، فقد سبق وأن استمعت إلى أداء الفنانة ميساء خشيبون في برامج سابقة، ولكني أراها تتألق وتتطور من عمل لآخر، كما سبق أن سمعت عن أداء الفنانة المتألقة نانسي حوا وعن نجاحها الرائع في تقديم أغاني ماجدة الرومي الذي يتطلب مهارة فائقة وصوتا مميزا، فرأيتها في "الدنيا غنوة"وسمعتها وهي تغني وتتألق وترقص وتشنِّف الآذان. أما المغني هيثم خلايلة فهو إضافة نوعية راقية متكاملة، مغنٍّ متمكن من صوته وأدائه وحركاته الرومانسية التي أتاحت له أن يؤدي أجمل الأغاني لأكبر المغنين بحيث تشدك إليه فتطرب وتنسجم وتتابع وتطلب المزيد. *شباب موهوب* يجب ألا نبحث عن الأعذار التي كنا نبحث عنها عندما نحضر عملا فنيا يمس بذوقنا كمشاهدين، فكنا نقول إن المعطيات التي بين أيدينا لا تتيح لنا الفرصة لكي نقدم ما هو مطلوب منا، وكنا نعذر المخرج والممثل والراقص والفنان والممثل. ولكنا سنظل نتفهم ما تمر به هذه الفرق من شح المصادر الداعمة، لأن الميزانيات التي تحصل عليها فرقنا لا تسمح لها لأن تتحول إلى فرق محترفة. فقد كانت، ولا تزال،تعتمد على الهواة في الكثير من الأعمال، بالذات في الأعمال الاستعراضية لأن الأمر يفرض كمًّا كبيرا من الفنانين على خشبة المسرح، ولكنا مع ذلك نعلن، ما دمنا بصدد الحديث عن فرقة سلمى وعن "الدنيا غنوة"، أن هذا العمل هو خطوة أخرى متقدمة في مجال العمل الغنائي الاستعراضي الراقص، وهو يضيف لبنة أخرى إلى بناء فرقة سلمى بنوعيته، وخفة ظله، بالذات أن جميع الراقصين والراقصات هم من جيل الشباب، ثم إن الغالبية هن من الراقصات الشابات. ولا نبالغ حين نقول إن ظهور المغنين الثلاثة سوية هو نقلة نوعية في مجال المسرح الغنائي لما يتحلون به من عذوبة في الصوت، والأهم أنهم ما زالوا في ذروة الشباب وهم قادرون على تطوير أدواتهم ومهاراتهم أكثر وأكثر. فهل كان من الممكن أن ينضم إلى "الدنيا غنوة" ممثل محترف أو ممثلة محترفة أو أكثر لتطوير هذا العمل الفني؟ سؤال يجب أن يطرح، في هذا السياق وسأترك الإجابة عليه للقيِّمين على الفرقة. ولكن لا شك لدي أن وجود محترفين، سوف ينقل العمل إلى مرتبة أعلى. وسوف يسد ثغرة صغيرة هنا وأخرى هناك. فحركات الجسم لغة يجب إتقانها بحرفية عالية، وهي أكثر تعقيدا من مهارة الصوت واللهجة في التعبير. من هنا يأتي تقديرنا لهذه الفرقة التي نجحت في جذب هذه الباقة من الشابات والشباب ومن الراقصين والراقصات، هذه الفرقة التي تمكنت رغم ضيق ذات اليد من استقطاب المواهب المتألقة من ممثلين وفنانين ومغنين. هذه القاعدة سوف يتم الاعتماد عليها للسير بحركتنا المسرحية إلى الأمام. نعود على ما بدأنا به أن ما قامت به الفنانة فريال خشيبون أشبه ما يكون بما قدمه روادنا الأوائل في العالم العربي، أولئك الرواد الذين جندوا أفراد عائلاتهم وأصدقاءهم للعمل في مجال المسرح، أولئك الرواد الذين كانوا هم الممثلين وهم المغنين وهم الراقصين والمخرجين والملقنين والمنتجين. ولكن فرقة سلمى تسير اليوم بخطى حثيثة نحو التقرب من المهنية والاحتراف، إذا نجحت فعلا في الحفاظ على هذه الباقة وعلى جذب المغنين أصحاب الطاقات الصوتية. والشيء بالشيء يذكر لقد كان نجاح رواد المسرح في بداية القرن العشرين حافزا هاما لأرباب القلم أن يكتبوا وأن يقدموا إبداعاتهم وكتاباتهم للفرق الناجحة في تلك الأيام. كما أن تلك الفرق، من خلال أعمالها، خلقت فرصة سانحة لمغنين اعتادوا أن يكتفوا بأداء أدوار شعبية أن ينضموا إلى هذه الفرق ويتحولوا إلى مغنين محترفين من أمثال سلامة حجازي وعبده الحمولي ومن ثم سيد درويش وغيرهم. وهذا ما استطاعت أن تحققه فرقة سلمى في هذا العمل وفي غيرها من الأعمال. فاستمتعنا بالأداء الغنائي وبالرقصات الجماعية فكان هذا العمل الاستعراضي خطوة نوعية أخرى إلى الأمام. عن موقع الجبهة 13/6/2014 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |