عودة الى أدب وفن

أبو محمد مارون عبود – العملاق المنسي - د. ياسر ريناوي

*كان الرجل (مارون، أبو محمد) متدينا وكان والده كاهنا وكذلك جده لأبيه وجده لأمه وسمى ابنه "محمد" وكتب فيه قصيدة يقول فيها: عشت يا ابني يا خير صبي – ولدته أمه في رجب – أمه ما ولدته مسلما – أو مسيحيا ولكن عربي*

لا أكتب عن مارون عبود بصفتي ناقدا أو كاتبا، فلست كذلك، بل للتذكير بهذا الكاتب العظيم الذي يكاد يُنسى أو يُهمل كغيره من العظماء في هذا الزمن الرديء، وأيضا لشدة إعجابي بما كتب، خاصة بعد أن اكتشفت أن بعض المثقفين والكتاب المرموقين الذين أجلهم وأحترمهم وأحترم ما يكتبون، لم يطّلعوا على كتاباته إلا بصورة سطحية.

يعود الفضل في تعرفي على مارون عبود إلى الراحل توفيق زياد، قبل أكثر من خمسين عاما، عندما أعارني كتابا لمارون عبود أهداه إليه في موسكو الكاتب الشهيد حسين مروة، وطلب مني أن اختار له من الكتاب قطعة أو فقرة يمكن أن تنشر في مجلة الجديد.

بعد أن قرأت ذلك الكتاب، وقع اختياري على ما كتب مارون عبود عن دعبل الخزاعي ولم أكن سمعت من قبل عن ذلك الشاعر الذي اشتهر بقوله: "أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة ولست أجد أحدا يصلبني عليها"، وقد تم نشر تلك المقالة في الجديد، وكانت النتيجة لهذا اللقاء مع مارون عبود، هذا العشق لهذا الكاتب العظيم.

بهرني أسلوبه وتعابيره الشعبية ولغته السلسة التي تكاد تحسبها لغة محكية، وأسلوبه الذكي في النقد والتحليل وعشقه للغة الضاد وآدابها وخوفه عليها من بعض المستشرقين وفهمهم السطحي والحرفي أحيانا لمفرداتها. وخوفه كذلك من الكتاب العرب السطحيين الذين لم يتوانَ عن نقدهم وتحليل ما يكتبون، مهما علا شأنهم.

قبل حزيران كنا مقطوعين تماما عن العالم العربي ونتداول كل كتاب يقع في أيدينا وننسخ على كراريسنا المدرسية أي ديوان شعر نحظى بلمسه وتصفحه.

ومباشرة بعد حزيران، وفي أول زيارة لي للمناطق المحتلة، بحثت في مكتبات الضفة المحتلة عن أي كتاب لمارون عبود، وعدت بغنيمة لا بأس بها ولا أفرط بها.

كان الرجل (مارون، أبو محمد) متدينا وكان والده كاهنا وكذلك جده لأبيه وجده لأمه وسمى ابنه "محمد" وكتب فيه قصيدة يقول فيها: عشت يا ابني يا خير صبي – ولدته أمه في رجب – أمه ما ولدته مسلما – أو مسيحيا ولكن عربي.

بفضل تدينه لم يترك مناسبة إلا واستغلها لتوجيه نقده للمتسترين بالدين والذين يستغلون الدين وبساطة وسذاجة عامة الناس، لتحقيق مآربهم الخاصة، لا أكثر ولا أقل، ويطلق عليهم أوصافه الذكية والمعبرة أصدق تعبير، فيصف ابن قريته الذي يعرفه الناس حق المعرفة، والذي سيم كاهنا بأنه "فتح دكانة خوري"، الأمر الذي ينطبق على واقعنا الحالي تمام الانطباق، سواء كانت دكانة خوري أو دكانة شيخ أو دكانة راف، فالأمر لا يعدو كونه برنسا غطاؤه التدين بغض النظر لأي دين ينتمي صاحب الدكان.

كما هي حالنا اليوم مع دكاكين الدين كذلك هي حالنا مع دكاكين السياسة، حيث أصبحت الخيانة وجهة نظر والذين تربوا في أحضان الأحزاب الصهيونية والذين لا تستطيع صابونة نابلس أن تنظفهم يتحدثون في الوطنية ويزاودون. والذين أمضوا حياتهم في خدمة جهاز الأمن الإسرائيلي، جيشا ومخابرات وحرس حدود، لا ينقطعون عن الجوامع والكنائس والحج والعمرة، عندما يتقاعدون.

إحدى قصص مارون عبود الجميلة المعبرة قصة (قاطع طريق)، والتي لا تختلف عن دكان الخوري إلا بكونها تصف رجلا عاديا يعتمد في معيشته وتحصيل رزقه على السطو والسرقة وقطع الطرق، مواظبا على تأدية الصلوات والشعائر الدينية طالبا من ربه، بعد إتمام صلاته أن يوفقه في ما هو مقدم عليه: قطع الطريق والسطو، متمما بذلك لـ" واجباته الدينية ".

ذكّرتني قصة مارون عبود تلك برواية أمي عن جارتها التي كانت تغافل بائع الأواني الفخارية القادم مع بضاعته من غزة إلى قرى الجليل، فتسرق إبريقا لتتوضأ به.

أتمنّى أن تساهم هذه الكلمات القليلة المختصرة عن مارون عبود في فتح أعين من يهتمون بالأدب والمطالعة بشكل عام، على هذا الكنز العظيم من الأدب والثقافة والإبداع.

عن موقع الجبهة

22/5/2014





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com