![]() |
|
عودة الى أدب وفن
قراءة في "معجم الوفاء للأدباء الراحلين من فلسطينيي الداخل" - مليح نصرة الكوكاني
يغدو الإصدار الجديد الموثق للكاتب الفلسطيني المربي محمد علي سعيد، الذي أطلق عليه "معجم الوفاء للأدباء الراحلين في الداخل الفلسطيني"، مرجعًا من مراجع الثقافة التي أحسن الكاتب صنعًا على تقديمها في العام الجديد، كتعويض عن زحمة ووجع الكورونا المتفشي بيننا.
يقع الكتاب في 176 صفحة من الحجم المتوسط، ويحوي بين أحشائه تعريفًا لحوالي 170 شخصًا، من أدباء وشعراء ومربيين وغيرهم، من عمالقة الثقافة والأدب، من الراحلين إلى الخلود الأبدية في مسيرة اللا عودة، حيث هم هناك ونحن هنا في الحياة، من المهد الى اللحد. بعد قراءتي للكتاب وعلى امتداد ليلتين شغوفتين، من بضع ساعات قليلة في متاهات الخروج والدخول الصحية من بوتقة التفكير والإصابة بالوباء الكوروني، الذي أرهق الناس عمومًا، وأصبح مسلطًا كالسيف على أرواح الناس والمجتمع البشري، وعكر أمزجة وصفوة الحياة في مجمل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، في نطاق البيت والحارة، في القرية والمدينة، والمدرسة والجامعة، وأمكنة العمل والمجتمع بأسره. في مثل هذه الأوضاع غير الطبيعية جاءت هدية أبي علي محمد علي سعيد، الثقافية والمعرفية مشكورًا، فالجهد المبذول بهذا العمل التوثيقي المعرفي والتنويري يستحق من وجهه نظري، ليس الشكر والتقدير فحسب، فقد أضاف كاتبنا طعم الحلاوة والمسك والعنبر للثقافة الفلسطينية في الداخل، وكشف لنا عن ينابيع وكنوز كنا نجهلها في بحر ثقافتنا المميزة، وسبقت زمننا بكثير، ما جعلني وأمثالي نسرح ونحلّق عاليًا في بحر الامكانيات والقدرات والإبداعات ولم شمل العائلة الفلسطينية المغيبة في القصة والرواية إلى القصيدة والتأليف والنحت والترجمة، وكل أشكال ترسيخ الانتماء والصمود وتعميق الجذور، على أننا شعب يحمل ويتحمل، وله راية وتاريخ وثقافة ممتدة عميقًا في جوف هذا الوطن الذي لا وطن لنا سواه ولا نقبل بديلاً عنه. وإذا كان ابو علي قد وثق لأكثر من 170 أديبًا رحلوا عن ساحة الثقافة والأدب، وتركوا تراثًا غنيًا وبصمات لا يمحوها الزمن، فهناك أضعاف يغنون اليوم ويضيفون المداميك الثقافية على أمجاد من سبقهم في بحر الثقافة والأبداع، حاملين رسالة الفخر والافتخار بأنهم من هذا التراب، وهذا الوطن. فهذا الكم الهائل الذي وثقه كاتبنا العصامي محمد على سعيد، وما هو متوفر على أرض الواقع، واقع الأحياء من أصحاب العطاء على جبهة الثقافة والأدب والعلم والإبداع، يثبت للقاصي والداني أن فلسطين كانت وما زالت وستكون بلادًا عامرة بالمحبة والعلم والثقافة وكنوز المعرفة، ويؤكد للمرة المليون وأكثر، فشل الرواية التاريخية الصهيونية العنصرية الكاذبة، بأن فلسطين هي (أرض بلا شعب، وبلا حياة وثقافة وانتماء)، وعلى أرضية ذلك تتحطم أسطورة وصهيونية دعاتها، أمثال اوري لوبراني وغيره، لجعلنا (حطابين وسقاة ماء). فأبو علي وثق سيرة ومسيرة هذه الباقة المزهرة في تاريخ هذا الشعب، وخلد اسماء المبدعين وعناوينهم وإنتاجهم الأدبي والثقافي بأحرف من علم ونور وتضحيات جمة، لتنهل الأجيال، جيلًا وراء آخر، ممن سبقهم في درب الأدب حاملًا الراية عاليًا بين الأمم المنتجة والمتحضرة، فنحن شعب يستحق الحياة ما استطاع إليها سبيلاً، على أرض أجداد أجدادنا. ملاحظات واستنتاجات: * واجب تقديم الشكر والعرفان وتثمين دور الكاتب الجريء النشيط والمثابر، في عمليه الاعداد والتوثيق لهذا العمل الجبّار الرائع والرائد في مسيرة وحياة جماهيرنا في الداخل. وباعتقادي بأنه لا تكفي بضع كلمات من الثناء، فواجب مؤسساتنا الثقافية والوطنية (لجنه المتابعة، والجمعيات الفاعلة على الساحة الثقافية والأدبية، والأحزاب، ولجنة الرؤساء وأطر شعبيه أخرى) أن تكرم الكاتب من خلال تبني عملية توثيق واسعة ومتشعبة، تتسع لكافة الأدباء من الداخل والخارج والشتات، وتكريم الأحياء قبل ان يترجلوا عن صهوة الساحة الثقافية. فعلينا أن نهتم بالأدباء والشعراء والمبدعين والمثقفين وهم أحياء، وليس بعد رحيلهم، فضلًا عن إقامة المهرجانات وأمسيات الشعر والأدب. * كنت أحبذ أن عملية التوثيق تتم مع صورة فوتوغرافية للكاتب أو الشاعر، كتعريف لشخصيته وبهدف زيادة المعرفة، فالتوثيق مع الصورة يعطي لونًا مميزًا للشخصية الموثقة لكي تبقى راسخة ومحفورة في وجدان القارئ والشعب عامة. * أعتقد أن المادة المكتوبة عن بعض الشعراء والأدباء غير مكتملة وتنتقص من سيرتهم وتاريخهم، على سبيل المثال لا الحصر، سيرة الشاعر محمود درويش في فترة تواجده بموسكو في سبعينيات القرن الهارب، والعلاقة المكونة لشخصية درويش والقاسم وغيرهم في تكوين وبلورة ما سمي بالشعر وأدب المقاومة وعلاقاتهم الشخصية ومسيرتهم الحزبية المشتركة مع صحيفة الشعب "الاتحاد"، ومجمل الصحافة الشيوعية والوطنية. * شئنا أم أبينا، الشعر والأدب ينقسمان إلى قسمين، وكذلك الشعراء والأدباء وغيرهم، ومن الصعب أن نستوعب بوضعهم كلّهم في قالب واحد، إذ يتطلّب في أحيان كثيرة أن نقوم بعملية فرز وتشريح بين الشعر والشاعر، الذي ينتمي للمدرسة الوطنية والثورية التجديدية، على أنه شاعر يكتب وينظم ويسخر شعره لخدمة الشعب، ولأجل رفع معاناته، ويدعو للتحرر والاستقلال، ويتعرض للسجن والنفي والملاحقة، وبين شعر يتغنى به صاحبه أمام الجلاد، يمجد سياساته، دون الكشف عن هويته السياسية (ما سمي شاعر وشعر البلاط أو القصر)، ويتغنى من باب مسح الجوخ والتجميل، ولا يحظى برتبة شاعر وشعره لا يتعدى المنهاج الدراسي أمام طلابه ووزارة التعليم. * وفي النهاية، الشعب والجماهير والناس الغلابة، في كلّ وطننا الغالي، من النقب الصامد المنتفض على واقعه المُر إلى أعالي الجليل الأشم والخالد، مرورًا بالساحل الأخضر والمثلثين الحبيبين، نمثل امتدادًا جغرافيًا وانتماءً فلسطينيًا واحدًا متراصًا وقوة صلبة صامدة في وجه الرياح الاقتلاعية العاتية. وتبقى المسؤولية علينا في حفظ وترسيخ وتوثيق واستمرار النضال في مسيرة البقاء، التي لا تتجزأ ابدًا، مهما حاول المجزئون تمزيقنا وتغييبنا ونفينا إلى خارج أصلنا العربي الفلسطيني. وأديبنا وأستاذنا الغالي أبو علي محمد علي سعيد، الابن البار لهذا الشعب وحركته الثقافية الوطنية المجيدة فعل خيرًا بما قام به في الاعداد والتحضير والتوثيق. نشد على يديه ونعتز بقلمه السيّال المتدفق حرارة ثقافية مكنته من ترسيخ الماضي، والمزيد من العطاء والتضحية، وما قدمه للراحلين ولهذه الجماهير، وهذا الشعب الباقي المتجذر والمتجدد على الدوام، ينبع من باب حبه وحبهم لشعبهم ومسيرة النضال المتواصلة والطويلة، متمنين لأبي علي دوام العطاء والصحة والسعادة له ولعائلته، وأبدًا على هذا الطريق. عن الاتحاد 26/1/2021 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |