|
عودة الى أدب وفن
رموز ميثولوجية لبعض الأزهار - د. منير توما
زهرة النرجس هي صفة خاصة لأمثولات وكنايات حب الذات والغباء.
هناك العديد من الأزهار التي نعرفها جيّداً تحمل العديد من الرموز المستقاة من خلفيّة ميثولوجية تثير اهتمام الكثيرين من المعنيين بأمور الأدب والفن والثقافة لا سيما وان هذه الرمزية تتخلّل أحياناً كثيرة عملية النقد الأدبي والفني بصورة تسترعي انتباه القرّاء من هواة الأدب والفن. وفي السطور التالية سوف نتطرق الى رمزية عدد محدود من الأزهار من الناحية الميثولوجية حيث سنتناول بالدراسة والبحث كلاً من: شقائق النعمان، القرنفل، البنفسج، الياسمينوالنرجس. فإذا بدأنا بشقائق النعمان المعروفة كزهرة قصيرة العمر جداً، فإنها دائمًا كان لها دلالات جنائزية متعلقة بالدفن. ووفقًا لبعض المصادر، فإنّ هذه الزهرة قد ولدت من دموع فينوس التي ذرفتها على موت حبيبها أدونيس. وهناك أسطورة مشهورة وصلت إلينا عن طريق "أوفيد" تخبرنا بأنّ حبّ فينوس للشّاب أدونيس كان نتيجة سهم شارد من قوس "كيوبيد". وأخيراً يُقتل الشاب بواسطة خنزير برّي خلال صيد، ومن دمهِ ولدت زهرة شقائق النعمان حمراء اللون التي تمتاز بالهشاشة وقصر العمر. وبالتحديد، وبسبب أنّ هذه الزهرة سريعة الزوال، فإنها قد ارتبطت بالموت منذ القِدم. وعلى سبيل المثال، فإنَّ شعب إتروريا (بلاد قديمة في غربي إيطاليا)، عادةً ما كانوا يتعهدون هذه النبتة بالعناية حول القبور. وعند بداية الربيع، اعتاد اليونان القدماء الاحتفال بمهرجان أدونيا (نسبة الى أدونيس)، مُخَلِّدين ومستذكرين زواج أدونيس وفينوس وافتراقهم الفجائي. وتقوم النساء بتربية شقائق النعمان الصغيرة والعناية بها في أُصص على الأرض أو في سلال عند هذه المناسبة وكانت هذه "حدائق أدونيس المشهورة" الّتي سريعا ما كانت تذوي وتذبل حينما توضع في الشمس على الشُرفات. وقد استوعبت الرمزية المسيحية لاحقًا هذه الأسطورة، رابطةً شقائق النعمان بصلب يسوع المسيح. وفي الحقيقة، فإنّهُ في بعض الصور لهذه الحادثة، يمكن رؤية شقائق النعمان بالقُرب أو تحت الصليب. ويُقال إنّ اللون الأحمر لهذه الزهرة قد جاء من دم المسيح وهو يقطر من الصليب. وعند الحديث عن زهرة القرنفل، فإنَّ إسمها اللاتيني Dianthus مشتق من اليونانية ويعني "زهرة الله". وبنفس الكيفية، فإنّها أحيانًا تشير الى المسيح والى آلامهِ أيضًا. إنّ زهرة القرنفل لم تكن كليةَ معروفة للعالم القديم، ويظهر أنه تمَّ استيرادها من تونس عند نهاية القرن الثالث عشر. واعتماداً على معناها الأصلي (زهرة الله)، فإنّ زهرة القرنفل تُرى أحيانًا في يد العذراء مريم، وفي جنّة عدن. ووفقًا لخرافة من القرون الوسطى، فإنَّ الدّموع الّتي ذرفتها مريم العذراء عندما رأت ابنها يسوع يُصلَب، سقطت هذه الدموع على الأرض وتحوّلت الى قرنفل. بالإضافة الى ذلك، فإنَّ زهرة القرنفل قد شاع تسميتها chiodino التي تعني "مسمار صغير" باللغة الايطالية وذلك بسبب شكل براعمها، وهكذا أصبحت مرتبطة ألام المسيح. وحسب تقليد شمال أوروبي، من جهة أخرى، فإنَّ العروس يوم عرسها من المفروض أن تتقلّد قرنفلة والّتي يتوجب على العريس أن يجدها بينما يبحث ويفتش في ما بين ثيابها. وبسبب هذه العادة، أصبح القرنفل رمزًا للزواج أو وعدًا للحب، ولهذا السبب، فإنَ زهرة القرنفل تظهر في صور معينة، غالبًا الفلمنكية، حيث يُشاهد فيها رجل وامرأة يحملون هذه الزهرة. وفيما يتعلّق بزهرة البنفسج المعروفة منذ القدم، فإنّها مرتبطة بأسطورة الإله أتيس الفريجي (شعب فريجيا القديمة) حيث كانت الإلهة "أجديستس" واقعة بلا أمل في حب أَتيس، وقد حاولت أن تمنع زواجه من "آتا"، إبنة ملك بيسنوس، عن طريق جعله مجنونًا. وفي قبضة الجنون، يجوب أتيس الغابات وحين ذلك يأخذ خنجراً، ويطعن نفسه ويموت. ومن دمهِ يولد زهر البنفسج. وفي هذه الأثناء، تبحث "آتا"، الواقعة في غرامه، عن حبيبها هذا لتجده فاقدًا للحياة، وبالتالي تقتل نفسها فاقدةً حياتها أيضًا. ومن دمها، أيضًا ينبت زهر البنفسج. وفي الخيال الشعبي، زهرة البنفسج هذه الصغيرة بحجمها وذات الرائحة العطرة، هي رمز للتواضع والحياء والإحتشام، وقد فُسَّرت هكذا أيضًا من جانب آباء الكنيسة. ومن الواضح أنّ هذه الزهرة التي تمتاز بهذه الصفات لا بُدَّ أن ترتبط بالعذراء مريم، لكنها أيضًا أصبحت صفة تعزى وتنسب للسيد المسيح يسوع، الذي امتلك التواضع ليصبح إنسانًا. وهذه الزهرة تظهر فوق الجميع في مشاهد العبادة وفي صور العذراء والطفل يسوع. كذلك، يمكن أن نرى زهرة البنفسج، ولو أن ذلك نادر، عند أقدام الصليب في حدث الصلب. وتعتبر زهرة البنفسج صفة مميزة للقديسة "فينا" التي عاشت في القرن الثالث عشر في مدينة الوسط الإيطالية التي تُعْرَف بإسم "سان جميجنانو"، وتوفيت في سن الخامسة عشرة بعد أن كرّست نفسها لمساعدة المحتاجين. ويُقال أنّه في لحظة موتها، نبتت أزهار بنفسج في فراش هذه القديسة. أما عند التطرق لزهرة الياسمين، فإنّها بكونها تحظى باستحسان وحظوة كثير من الثقافات لرقتها ورهافتها ورائحتها العطرة، فقد اعتُبِرت غالبًا زهرة السماء أو رمزًا للحب الإلهي. إنّ الياسمين، هذه الزهرة المحبوبة جدًا في الثقافات الشرقية، قد شكلّت إلهامًا شعريًا وأدبيًّا في مناسبات لا حصر لها. وفي الغرب هناك صنف من أزهار الياسمين أصله من الهند وقد عُرِف منذ الأزمنة القديمة. هذا النوع هو غالبًا الأكثر تصويرًا من جانب الفنانين. ومن حيث أنَّ زهرة الياسمين عادةً ما تُزهِر في شهر أيار، ذلك الشهر المكرّس للعذراء مريم، فإنَّ هذه الزهرة قد ارتبط بصورة والدة يسوع المسيح. إنَّ بياض زهرة الياسمين يوحي ببراءة ونقاء السيّدة العذراء. ومن الدلالات الأخرى التي تتضمنها وترتبط غالبًا بزهرة الياسمين هي النعمة، الأناقة، والحب الإلهي. وبالتماهي والتوافق مع هذا التأويل، فإنه يمكننا غالبًا أن نرى هذه الزهرة في يدي الطفل يسوع المسيح، أو محيكة ومنسوجة في أكاليل زهر تُزَيِّن رؤوس الملائكة والقديسين. وفي بعض الأحيان، إذا ما ربطنا زهرة الياسمين مع الورود، يمكن أن تَدُّل وتتضمن معنى الإيمان. وفي مناسبات نادرة يمكن رؤية زهرة الياسمين مرسومةً على عصا القديس يوسف في مشاهد زفاف العذراء. ونأتي أخيرًا الى رمزية زهرة النرجس ميتولوجيًا حيث أنه من المعروف أنَّ هذه الزهرة قد سُميّت بهذا الاسم نسبةً الى الشاب الوسيم، الذي وفقًا للأسطورة، وقع في حب صورته المنعكسة في الماء، وقد أصاب جسمه الهزال مع افتنانهِ بنفسهِ الى أن مات. وطبقًا للوصف الميثولوجي المشهور لِـ "أوفيد"، فإنّ زهرة النرجس هي رمز للأنانية وحب الذات. إنّ الدلالات المتضمنة لهذه الزهرة التي تُعزى لها من المحتمل أنها إشتقت من الاعتقاد بأنها كانت زهرة العالم السلفي. وفي الترنيمة الهوميرية الى "ديمتر" في الحقيقة، يقال بأنَّ زهرة النرجس قد خُلِقت من الارض، بناءً على توصية "زيوس" بغية "إرضاء وإسعاد الاله الذي يرحِّب برجالٍ "كثيرين" وبكلمات أخرى، الجحيم، إله العالم السلفي. وفي فن وصور الأيقونات المسيحية، تظهر زهرة النرجس في مشاهد بشارة الملاك جبرائيل لمريم العذراء أو الفردوس الأرضي كرمز لانتصار الحب الإلهي والحياة الأبدية على الموت، الأنانية، والخطيئة. وأخيرًا فإنّ زهرة النرجس هي صفة خاصة لأمثولات وكنايات حب الذات والغباء. وبالنسبة لخاصية أو صفة حب الذات فإنها تتألف وتنسجم مع امرأةٍ تلبس على رأسها تاجًا من نبات (السنَّا المثانيّة) وتحمل نرجسةً في يدها، مع طاووس يتبختر عند قدميها. أما كناية أو أمثولة الغباء، من الجهة الأخرى، فإنّها تُشَخَّص بإمرأة تلاطف وتعانق عنزةً، وفي يد المرأة بعض أزهار النرجس، وعلى رأسها تاج من هذه الأزهار نفسها. كفرياسيف عن موقع الجبهة 6/11/2018 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |