![]() |
|
عودة الى أدب وفن
فدوى وسميح - محمد علي طه
![]()
احترت من أين أبدأ. من سفح جبل جرزيم أم من سفح جبل حيدر، وكلّ الدّروب تؤدّي إلى البّوابة الشّرقيّة لسور عكّا. وسميح القاسم رجل شهم، جنتلمان، يطلّ من هناك ويقول لي: فدوى طوقان أوّلًا.
عمر طويل وعريض عاشته صديقتنا وأختنا وحبيبتنا فدوى. تكحّلت عيناها بالنّور وجماهير نابلس تهتف ضد وعد بلفور، وانطفأ النّور وأغمضت عينيها الكحيلتين وأصوات الدّبابات تهدم حيّ الياسمين التّاريخيّ. وبين النّعيق الإنكليزيّ وبين فحيح دبّابات الاحتلال عاشت وأحبّت وأبدعت. عشقت الحريّة فكانت رحلتها الجبليّة الأصعب. قاسية حياة الفلسطينيّ. ميلاده مقرون بمأساة وموته مؤرّخ بتراجيديا. كانت فدوى رقيقة مثل ندى الصّباح على أزهار جرزيم، جميلة مثل عنات، معطاءة مثل الأرض، أصيلة مثل بنات عبد مناف، وفيّة مثل زوجة عوليس. كلّما زرت نابلس هاتفتها وطرقت باب بيتها فنابلس التي أعرفها هي فدوى.. والكنافة.. نشرب القهوة معًا ونتناول الكنافة الأصليّة، وتتحدّثُ هامسة عن إبراهيم، طرفة الفلسطينيّ، عن عبد الرّحيم الفارس العاشق. عن أصدقائها في بيروت والأيّام الممتعة هناك، وعن صديقها الشّاعر الايطاليّ، وعن صديقها الاجنبيّ الذي كانت برفقته في الخامس من حزيران. وعن أنور المعداويّ، وعن كمال ناصر، وعن الأصابع التي تحترق، وعن السّيارة التي نقلتها إلى تسهالا، وعن عبد النّاصر الذي احتضنها في منشيّة البكريّ وهو يقول لها "نوّرت مصر". على قمّة الدّنيا كانت وحيدة. واعطتنا حبًّا وأملًا وشعرًا خالدًا. رحلتها كانت فلسطينيّة. رحلتها كانت صعبة. أليس كذلك يا "خيّا "سميح؟ وُلدت صداقتنا في العام 1958 حينما زرتُكَ برفقة الصّديقين المرحومين الشّاعرين محمود درويش وسالم جبران. ولم تعكّر صداقتنا قشّة أو غبرة طيلة خمسة عقود. أتذكر يا خيّا عندما كنت شابًّا صغيرًا جميلًا متمرّدًا تطاردك الشّرطة العسكريّة وتتحدّاها رافضًا التّجنيد وتأتي إلى بيتي في كابول لتختفي عن عيونها؟ أتذكر حينما سجنوك في الزّنزانة التي سجنوا فيها المجرم أيخمان في سجن الجلمة؟ أتذكر النّادل الذي كسر فنجان القهوة عندما كنّا نشربها في الزبدانيّ؟ أتذكر ما قاله لنا أبو العبد فيصل الحسينيّ في وهج الانتفاضة في ليلة مقدسيّة نديّة؟ أتذكر ما قاله لك الشّهيد أبو عمّار في جامعة بيت لحم؟ أتذكر الدّكتاتور الأحمق، وكلّ دكتاتور أحمق، الذي حاول رسوله أن يغريك بزيارته فأبيت؟ سلام عليك يا أبا وطن. يا قمر هذا الوطن. يا بن هذا الوطن. يا المنغرس الباقي في هذا الوطن زيتونةً راميّةً تناغي زيتونةً نابلسيّةً، صخرةً حيدريّةً تغازل صخرةً جرزيميّةً! لو كان عليّ أن أولد ألف مرّة لشئتُ أن أولد هنا. هنا ولو كان عليّ أن أموت ألف مرّة. لشئت دائمًا أن أموت هنا. هنا. * نصّ الكلمة التي ألقاها الكاتب في الأمسيّة الثّقافيّة التي أقامتها "دار الأسوار" في عكّا في ذكرى مئويّة فدوى طوقان وذكرى سميح القاسم. عن موقع الجبهة 19/3/2017 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |