![]() |
|
عودة الى أدب وفن
السُّبْحَةُ.. - حسين مهنّا
وَعَيْتُ على الدُّنْيا وأَنا أَرى في يَدِ والِدي سُبْحَةً (أَو مِسْبَحَةً) ذاتَ تِسْعٍ وتِسْعينَ خَرَزَةً مُقَسَّمَةً الى ثَلاثَةِ أَقْسامٍ، في كُلِّ قِسْمٍ ثَلاثٌ وثَلاثونَ خَرَزَةً تَجْتَمِعُ تَحْتَ خَرَزَةٍ أُ
سْطُوانِيَّةِ الشَّكْلِ تُعْرَفُ بالمِئْذَنَةِ (أَو بِالمَنارَةِ)، يَفْصِلُ بَينَها خَرَزَتانِ تَخْتَلِفانِ شَكْلًا عَنْ خَرَزاتِ السُّبْحَةِ وتُسَمَّيانِ شاهِدَينِ.. ومِنْ إِجابَاتِهِ على أَسْئِلَتي عَرَفْتُ أَنَّ عَدَدَ الخَرَزاتِ بِعَدَدِ أَسْماءِ اللهِ الحُسْنى والّتي هي تِسْعَةٌ وتِسْعونَ اسْمًَا.. وأَنَّ السُّبْحَةَ قَدْ أَخَذَتِ اسْمَها مِنَ التَّسْبيحِ.. أَي تَسْبيحِ الخالِقِ عَزَّ وجَلَّ.. إِذًَا هي رَمْزٌ دينِيٌّ أَوَّلًا؛ بِدَليلِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَقَلَّدَها هُمْ رِجالُ الدّينِ على مَرِّ العُصورِ.. بَعْدَها انْتَشَرَتْ بَينَ الخاصَّةِ كِي يِزْدادوا بِحَمْلِها وَقارًَا واحْتِرامًا.. ومِنْ ثَمَّ وَصَلَتْ الى العامَّةِ لا بِخَرَزاتِها التِّسْعِ والتِّسْعينَ بَلْ بِثُلْثِها، فَعُرِّفَتْ بالسُّبْحَةِ الثُّلْثِيَّةِ.. وهُناكَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّها سُبْحَةٌ نَصْرانِيَّةٌ لِأَنَّ عَدَدَ خَرَزاتِها بِعَدَدِ السَّنَواتِ الّتي عاشَها يَسوعُ المَسيح عَلَيْهِ السَّلامُ.. واللهُ أَعْلَمُ! لا أَعْتَقِدُ أَنَّ هُناكَ شَعْبًَا يَهْتَمُّ بالسُّبْحَةِ كَشَعْبِنا العَرَبِيِّ، فَهي في جُيوبِ وأَيادي الشّيبِ والشَّبابِ؛ خاصَّةً وقَدْ أَصْبَحَتْ بِثَلاثٍ وثَلاثينَ خَرَزَةً، وغابَ عَنْها مَدْلولُها الدّينِيُّ، لِتصْبِحَ مَوروثًَا اجْتِماعِيًَّا يَتَوارَثُهُ الأَبْناءُ عَنِ الآباءِ والأَجْدادِ، ولِتَكْتَسِبَ قيمَةً مَعْنَوِيَّةً كُبْرى، إِذْ تَجِدُ مَنْ يَقولُ لَكَ بِانْتِشاءٍ وفَخْرٍ: هذهِ سُبْحَةُ جَدّي، وَرِثْتُها عَنْ أَبي.. يَخْفى على كَثيرينَ أَنَّ لِلسُّبْحَةِ فَوائِدَ، أَوَّلُها امْتِصاصُ التَّوَتُّرِ عِنْدَ حامِلِها وصَرْفِهِ لا شُعورِيًَّا.. وثانيها تَعْمَلُ على جَعْلِ العَقْلِ مُتَيَقِّظًا وحَثِّهِ على التَّفكيرِ لِما بَينَ تَحْريكِ الأَصابِعِ والعَقْلِ مِنْ تَواصُلٍ وتَفاعُلٍ.. فَقَدْ عَلَّمَنا التّاريخُ أَنَّ نُزولَ الإِنْسانِ قَبْلَ مَلايينِ السِّنينَ عَنِ الشَّجَرِ، وانْتِصابَهُ على قَدَمَيهِ، قَدْ حَرَّرَ لَهُ يَدَيهِ، وبِتَناوُلِهِ الأَشْياءَ وأَخْذِها بِيَدَيهِ المُحَرَّرَتَينِ كانَتا الخُطْوَةَ الأولى في إِعْمالِ عَقْلِ الإِنْسانِ وتَفْكيرِهِ! (البُقيعة الجَليل) 8/3/2017 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |