عودة الى أدب وفن

نَحْنُ الأَسْماءُ.. - حسين مهنّا


مَنْ مِنّا لَمْ يَسْمَعْ أُغْنِيَّةَ (أَسَمينا)، ومَنْ مِنَّا لا يَطْرَبُ غايَةَ الطَّرَبِ حينَ سَماعِها!؟ كَيفَ لا وهيَ مِن كَلِماتِ الشّاعِرِ اللُّبْناني المُبْدِعِ جوزيف حَرْب (1944م-2014 م)، وأَلْحانِ الفَنّانِ المُتَعَدِّدِ المَواهِبِ خَفيفِ الظِّلِّ فيلمون وهبي (1918م-1985م) وغِناءِ السَّيِّدَةِ فَيروز (1935م-) بِصَوتِها الطّوباوِيِّ!؟ ولكنْ لِنَسْأَلْ أَنْفُسَنا لِماذا كَتَبَ الشّاعِرُ قَصيدَتَهُ؟ ولِماذا الْتَفَتَ الَيها المُلَحِّنُ الفَذُّ ولَحَّنَها لِتُغَنّيها فَنّانَةٌ بِحَجْمِ فَيروز!؟ إِذًا هُنالِكَ هَدَفٌ آخَرُ مِنَ التَّسْمِيَةِ الى جانِبِ أَنَّها وُجِدَتْ لِتَعْيينِ المُسَمَّى وتَعْريفِهِ.

فهُناكَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِلْاسْمِ تَأْثيرًا على المُسَمّى، سَلْبًا أَو إِيجابًا.. فَإِذا سَمَّينا الطِّفْلَ (جاسِر) أَو(باسل) مَثَلًا ينْشَأُ – وبِاللّاوَعْيِ – وهو يَعْمَلُ على أَنْ يَكونَ أَهْلًا لِيَحْمِلَ اسْمَهُ ذاكَ. والعَكْسُ صَحيحٌ. قَدْ أَميلُ الى هذا الرَّأْيِ بَعيدًا جِدًّا عَمّا يُؤْمِنُ بِهِ المُنَجِّمونَ مِنْ أَنَّ أَحْرُفَ الهِجاءِ تَقَعُ تَحْتَ تَأْثيرِ الأَفْلاكِ، ويَزْعُمونَ أَنَّهُ مِنْ هَهُنا قَدْ يَأْتي الاسْمُ مُلائِمًا أَو مُخالِفًا لِطَبيعَةِ الإِنْسانِ فَيَسْعَدُ إِنْ كانَ مُلائِمًا، ويَشْقى إِنْ كانَ مُخالِفًا، ومِنْ ثَمَّ فَهُمْ يَنْصَحونَ صاحِبَ الاسْمِ بِتَغْييرِهِ لِيَسْعَدَ! مُسْتَغِلّينَ بِذَلِكَ بُسَطاءَ النّاسِ بِهَدَفِ الرِّبْحِ السَّريعِ، ومِنْ غَيرِ تَعَبٍ، مُطَبِّقينَ المَثَلَ الطَّريفَ الّذي يَقولُ: "رِزْقُ الهُبْلِ عَلى المَجانينَ".

وأَميلُ أَيضًا الى التَّأْكيدِ على أَنَّ الأَسْماءَ الّتي نَخْتارُها لِأَبْنائِنا وَبَناتِنا يَجِبُ أَنْ يَأْتي اخْتِيارُنا لَها بَعْدَ تَفْكيرٍ؛ فالاسْمُ هُوِيَّةٌ فَرْدِيَّةٌ لِحامِلِهِ، تَتَضافَرُ مَعَ غَيرِها لِتُصْبِحَ هُوِيَّةً جَمْعِيَّةً/قَومِيَّةً. فِإِذا ذُكِرَتْ أَسْماءٌ مِثْلُ (مُحَمَد أَو عَلِيّ أَو أَحْمدُ أَو حَسَن أَو حُسَين...) مَثَلًا عُرِفَ أَنَّ حَامِلَ أَحَدِ هذهِ الأَسْماءِ – في الأَصْلِ – عَرَبِيًّا بِلا أَدْنى شَكٍّ؛ لا كَما نَقول (رامي أَو سامي) مَعَ أَنَّها أَسْماءٌ عَرَبِيَّةٌ أَيضًا. أَمّا أَنْ نُسَمّيَ أَسْماءً أَجْنَبِيَّةً، فَمِنْ حَقِّ سامِعِها أَنْ يُفَسِّرَذلكَ دونِيَّةً مِنّا أَو خَوفًا مِنْ حاكِمٍ أَو نِفاقًا لَهُ خاصَّةً عِنْدَنا نَحْنُ عَرَبَ هذهِ البِلادِ!

واخْتِيارُ أَسْماءِ الشَوارِعِ والمَعاهِدِ التَّرْبَوِيَّةِ، على أَنْواعِها، والمَحالِّ التِّجارِيّةِ تَفْقِدُ الكَثيرَ مِنْ تَأْثيرِها إِنْ لَمْ تَكُنْ هادِفَةً لافتةً لِلِانْتِباهِ، كَأَنْ نَقولُ: مَدْرَسَةُ المُتَنَبّي لَيسَ كَما نَقولُ المَدْرَسَةُ الابْتِدائِيَّةُ (أ) أَو (ب)... ولَيسَ مِنَ الحِكْمَةِ أَنْ نُسَمّي مَحالَّنا التِّجارِيَّةَ كَيفَما اتَّفَقَ بَلْ عَلَينا أَنْ نَخْتارَ الاسْمَ الجاذِبَ لا المُنَفِّرَ، حَتّى لَو احْتَجْنا الى اسْتِشارَةِ إخِصائِيّينَ نَفْسِيّينَ/اجْتِماعِيّينَ في ذَلِكَ.. ولَنْ نَكونَ مَنَ الخاسِرينَ...

(البقيعة/الجليل)
16/12/2016






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com