عودة الى أدب وفن

نَحْنُ والوَقْتُ.. - حسين مهنّا

لَعَلَّ الإِنْسانَ المُعاصِرَ، وقَدْ أَخَذَتْهُ المَدَنِيَّةُ والرَّكْضُ وراءَ لَقْمَةِ العَيشِ الشَّريفَةِ، مُكْرَهًا أَو مُخْتارًا، لا يَجِدُ الوَقْتَ كَي يَقِفَ عِنْدَ جَمالِ حَديقَةٍ يَمُرُّ بِجانِبِها مَثَلًا! ورُبَّما يَكونُ قَدِ امَّحى مِنْ ذاكِرَتِهِ جَمالُ ورومانْسِيَّةُ لَحْظَةِ شُروقِ أَو غُروبِ الشَّمْسِ، ناهيكَ عَنِ السَّهَرِ في اللَّيالي القَمْراءِ وما الى ذلكَ... أَكْتُبُ هذا مَعَ أَنِّي على يَقينٍ بِأَنَّ في داخِلِ كُلِّ فَرْدٍ مِنا طِفْلًا مُشاغِبًا يُحِبُّ الحَياةَ مَليئَةً بِاللَّعِبِ والتَّلَهّي بِالرَّكْضِ وراءَ ظِلِّهِ، اَو مُحاوَلَةِ اصْطِيادِ الفَراشاتِ، أَو الخَرْبَشَةِ على الجُدْرانِ بِالفَحْمِ أَوِ بِالطَّباشيرِ.. في داخِلِ كُلِّ فَرْدٍ مِنّا طِفْلٌ لَصيقٌ بِحَياةٍ لا حِسابَ لِلْوَقْتِ فيها إِلّا لِلْفَرَحِ، والفَرَحُ لا يَسْكُنُ النُّفوسَ المُتْعَبَةَ، ولا هَدْأَةُ بالٍ إِلّا إِذا أُخِذَتِ الحَياةُ على بَساطَتِها.. وأَجْدادُنا الّذينَ شَرِبوا حِكْمَةَ الحَياةِ قالوا: كانَتْ حَياتُنا قِلَّةً وبَسْطًا!

أَنا لَسْتُ مِنْ دُعاةِ التَّبَطُّلِ والكَسَلِ، ولَكنْ يُرْضيني أَنْ أَكونَ مِنْ دُعاةِ الحَياةِ الّتي لا رَكْضَ فيها.. الحَياةِ الَّتي مَساحَةُ البَسْطِ فيها أَضْعافُ مَساحَةِ المَقْتِ.. هذا لا يَعْني أَنَّني ضِدُّ الجِدِّ والاجْتِهادِ إنْ كانَ مِنْ أَجْلِ تَوفيرِ الحَياةِ الكَريمَةِ لِلْإِنْسانِ، فَإِنْ زادَ عَنْ ذلكَ يَصْبِحُ جَشَعًا وَضَعْفًا إِزاءَ غَريزَةِ التَّمَلُّكِ الّتي فينا ، والّتي إِنْ لَمْ نُهَذِبْها تَخْرجْ عَنْ طَوعِنا، لا بَلْ تُدْخِلْنا في مَتاهاتِ جَمْعِ المالِ وموبِقاتِهِ! وما أَصْدَقَ عَلِيَّ بن أَبي طالِبٍ (ك) (599م-661م) يَومَ قالَ: الغِنَى الأَكْبَرُ اَلْيَأْسُ عَمّا في أَيدي النّاسِ..

لَسْتُ مِثالِيًّا أَنْشُدُ ما لا يَتَحَقَّقُ، ولَيسَ مِنْ عادَتي أَنْ أَنْسُجَ الأَحْلامَ وأَرْتَديَها ولكِنّي أَرَى أَنَّ عُمْرَ الإِنْسانِ أَقْصَرُ مِمّا نَتَصَوَّرُ..أُحِبُّ أَنْ أَعيشَ الحَياةَ لَعِبًا بَعْدَ جِدٍّ، وراحَةً بَعْدَ تَعَبٍ؛ فَشَتّانَ ما بَينَ راحَةٍ بَعْدَ تَعَبٍ في الحَياةِ، وبَينَ راحَةٍ تَعْقُبُها راحَةٌ فَراحَةٌ فَكَسَلٌ فَتَبَطُّلٌ فَقُعودٌ...!

(البقيعة/الجليل)
14/12/2016






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com