![]() |
|
عودة الى أدب وفن
الهِوايَةُ - حسين مهنّا
يُمْكِنُ تَعْريفُ الهِوايَةِ بِأَبْسَطِ الكَلِماتِ إِذا قُلْنا إِنَّها نَشاطٌ فَرْدِيٌّ لِتَحْقيقِ مُتْعَةٍ ما بِمَهارَةٍ يَدَوِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ في أَوقاتٍ يَجِدُ الإِنْسانُ نَفْسَهُ فيها - خاصَّةً بَعْدَ الدَّوامِ الرَّسْمِيِّ- على حافَّةِ السُّقوطِ في هُوَّةِ الفَراغِ الَّذي هُوَ بِحَدِّ ذاتِهِ الوَقْتُ الضّائِعُ مِنْ عُمْرِ الفَرْدِ، ذَكَرًا كانَ أَمْ أُنْثى، وإِذا كانَ الحَكَمُ في لُعْبَةِ كُرَةِ القَدَمِ يُعَوِّضُ اللّاعِبينَ بِبَعْضِ الوَقْتِ في آخِرِ كُلِّ مُباراةٍ فَلَيسَ مِنَ المُمْكِنِ القِيامُ بِهذا في (لُعْبَةٍ) الحَياةِ! فَلَيسَ مِنَ الحِكْمَةِ إِذًا إِضاعَةُ دَقيقَةٍ واحِدَةٍ مِنْ أَعْمارِنا، طالَتْ أَمْ قَصُرَتْ، فَلا نَعيشُها بِرَغْبَةٍ حَتّى آخِرِ ثانِيَةٍ فيها..
ومُمارَسَةُ الهِوايَةِ لَيسَتْ مَقْصورَةً على سِنٍّ مُعَيَّنَةٍ شَرْطَ أَنْ تَكونَ مُلائِمَةً لِسِنِّ مُمارِسِها.. ومِنْ هُنا فَقَدْ أَصْبَحَ لِلصِّغارِ هِواياتٌ خاصَّةٌ بِهِمْ كَجَمْعِ الطَّوابِعِ البَريدِيَّةِ، أَو جَمْعِ النُّقودِ المَعْدنيَّةِ أَو الوَرَقِيَّةِ، أَو المُراسَلَةِ، أَو القِراءَةِ والكِتابَةِ أَو الرَّسْمِ أَو الموسيقى...ناهيكَ عَنِ الرِّياضَةِ بِأَنْواعِها.. أَمّا هِواياتُ الكِبارِ فَتَتَنَوَّعُ ما بَينَ المُطالَعَةِ والتَّصْويرِ والطَّهْيِ ورِياضّةِ المَشْيِ والسِّباحَةِ، وما الى ذلِكَ مِنْ أَلْعابٍ رِياضِيَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ. فَوائِدُ الهِواياتِ كَثيرَةٌ أَهَمُّها خَفْضُ مَنْسوبِ التَّوَتُّرِ عِنْدَ الكِبارِ مِنْ ضُغوطاتِ العَمَلِ خاصة والحَياةِ عَامَّةً.. أَمّا عِنْدَ الصِّغارِ فَإِلى جانِبِ خَفْضِ التَّوَتُّرِ عِنْدَهُم فَهي خَيرُ مُعينٍ لَهُمْ على عُبورِ مَرْحَلْةِ المُراهَقَة بِأَقَلِّ ما يُمْكِنُ مِنْ ضَرَرٍ؛ وهي كَفيلَةٌ بِأَنْ تُفَتِّحَ عِنْدَهُمْ طاقاتٍ ذِهْنِيَّةً عالِيةً، وتَفْتَحُ لَهُمْ دُروبَ الخَلْقِ والإِبْداعِ . وكَونُ بَعْضِها قابِلًا لِلتَّطَوُّرِ فَقَدْ تَتَحَوَّلُ الهِوايَةُ الى احْتِرافٍ يُوَفِّرُ لِصاحِبِها الرِّبْحَ الكَثيرَ والعَيشَ الكَريمَ كَنُجومِ كُرَةِ القَدَمِ، والموسيقِيّينَ والمُصَوِّرينَ والرَّسْامينَ والخَطّاطِينَ... وإِذا حَدَثَ ولَمْ تَصِلْ بَعْضُ الهِوايَاتِ بِأَصْحابِها الى الرِّبْحِ المادِّيِّ فَلا شَكَّ أَنَّها تُوصِلُهُمْ الى المُتْعَةِ الحَقيقِيَّةِ، والشُّعورِ بِأَنَّ لِلْحَياةِ قيمَةً ما بَعْدَها قيمَةٌ! لَقَدْ شَدَّ انْتِباهي بَرنامَجٌ تِلِفِزْيونيٌّ مَرَّةً عن رَجُلٍ كانَ يُمارِسُ هِوايَةَ صَيدِ السَّمَكِ بِالصِّنّارَةِ، فكانَ يَجْلِسُ السَاعَةَ تِلوَ السّاعَةِ يَصيدُ السَّمَكَةَ ثُمَّ يَعُودُ فَيُعيدُها الى الماءِ! كَمْ كانَ (بِاعْتِقادي) راقِيًا!...كانَ بِهِوايَتِهِ تِلْكَ يُحَقِّقُ المُتْعَةَ لِنَفسِهِ، مِنْ غَيرِ اَنْ يَمْنَعَ عَنِ السَّمَكَةِ الحَياةَ! (البقيعة/الجليل) 5/12/2016 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |