عودة الى أدب وفن

عَنِ القِراءَةِ والكِتابَةِ والميديا..! - حسين مهنّا


لَيسَ غَريبَاً إِذا سَمِعْنا أَحَدَهُمْ يقولُ: قَدْ تَعَلَّمْتُ القِراءَةَ والكِتابَةَ على يَدي المُعَلِّمِ الفُلانِيِّ.. فَقَدَّمَ القِراءَةَ على الكِتابَةِ لَيسَ إِقْلالَاً مِنْ شَأْنِ الكِتابَةِ، ولكِنْ بِما أَمْلَتْهُ عليهِ الذَاكِرَةُ الجَمْعِيَّةُ الَّتي لا تَخْزِنُ الهامَّ مِنَ الأُمورِ فَقَطْ بَلْ تُرَتِّبُها حَسَبَ أَهَمِّيَّتِها في حَياتِنا.. فَهَلِ القِراءَةُ اَهَمُّ مِنَ الكِتابَةِ؟! لا.. ونَعَمْ! لا لِأَنَّ القِراءَةَ والكِتابَةَ وجْهانِ لِعُمْلَةٍ واحِدَةٍ؛ فَمَنْ تَعَلَّمَ القِراءَةَ تَعَلَّمَ مَعَها لَفْظَ الحُروفِ ورَسْمَها أَي كِتابَتَها.. وقَولُنا نَعَمْ لِأَنَّ الكِتابَةَ تَنْحَسِرُ رُقْعَتُها بَعْدَ إِتْقانِها لِتُصْبِحَ مَهارَةً مُدَّخَرَةً عِنْدَ النّاسِ، لا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا عِنْدَ الحاجَةِ إِلَيها، وتُصْبِحَ حِرْفَةً عِنْدَ الصَّحَفِيّينَ والأُدَباءِ .. أَمَّا القِراءَةُ فَتَتَّسِعُ رُقْعَتُها لِتُصْبِحَ عادَةً يَومِيَّةً عِنْدَ جَميعِ النَّاسِ! أَسْتَدْرِكُ فَأَقولُ: مِنَ المَفْروضِ أَنْ تُصْبِحَ عادَةً يَومِيَّةً عِنْدَ جَميعِ النّاسِ!

ما أَسْعَدَ الأُمَّةَ الّتي عَرَفَتْ طَريقَها الى الكِتابِ! فَحَصَّنَتْ فَرْدَها بِالمَعْرِفَةِ.. وجَمَّلَتْهُ بِما حَمَّلَتْهُ مِنْ ثَقافَةٍ اجْتَناها مِنَ الكُتُبِ المُتَوَفِّرَةِ في المَكْتاباتِ العامَّةِ والخاصَّةِ تَمامَاً كَأَرْغِفَةِ الخُبْزِ في المَخابِزِ يَؤُمُّها النّاسُ فَيَشْتَرونَها كَضِرورَةِ حَياتِيَّةٍ.. لا تَرَفَاً أَرُسْتُقْراطِيَّاً يُزَيِّنونَ بِهِ رَدَهاتِ قُصورِهِمْ!

قَدْ نَجِدُ مَنْ يَعْتَرِضُ على ما نَقولُ، خاصَّةً وأَنَّ الميديا أَو (الإِعْلامُ الحَديثُ) بِتَعَدُّدِ أَنْواعِها وأَشْكالِها، قَدْ أَراحَتِ الإنْسانَ المُعاصِرَ مِنْ عَناءِ الكِتابَةِ بِالقَلَمِ على الوَرَقِ، وجَعَلَتْها نَقْرَاً بالإِصْبَعِ على مَفاتيحِ الآلَةِ الطّابِعَةِ؛ كَما جَعَلَتْ قِراءَةَ المَطْبوعاتِ الوَرَقِيَّةِ نَسْيَاً مَنْسِيَّاً تَقْريبَاً! ذلكَ لِما تُقَدِّمُهُ مِنْ بَرامِجَ ثَقافِيَّةٍ في شَتَّى المَجالاتِ صَوتَاً وصورَةً.. لِهَؤُلاءِ نَقولُ: لَيتَ الأَمْرَ كانَ كَذلِكَ! لَكُنَّا نَحْنُ الّذينَ نَحُثُّ على عَدَمِ التَّخَلِّي عَنِ الكِتابِ والكِتابَةِ اليَدَوِيَّةِ، قَدِ ارتَحْنا مِنْ تَدْبيجِ الكَلامِ وَأَرَحْنا القارِئَ الكَريمَ مِنْ ثِقْلِ ما يَسْمَعُهُ مِنّا صَباحَ مَساءَ!

لَيسَ مَنْ يَطْعَمُ قِطْعَةً صَغيرَةً مِنَ الحَلوى قَبْلَ شِرائِها كَمَنْ يَأْكُلُ مِنْها حَتّى الشَّبَعِ!! حَتّى مُعِدّو البَرامِجِ في الميديا الحَديثَةِ يُنْهونَ بَرامِجَهُم بِخْطابٍ مُوَجَّهٍ الى المُشاهِدينَ أَنْ عودوا الى المَكْتَباتِ إِذا أَرَدْتُمُ المَعْرِفَةَ تامَّةً!

بَدَهِيٌّ القَولُ: إنَّ نِصْفَ المَعْرِفَةِ تَبْني فَرْدَاً نِصْفَ مُثَقَّفٍ، والمَعْرِفَةُ غَيرَ المَنْقوصَةِ تَبْني مُثَقَّفاً كامِلاً! ونَحْنُ لا نُريدُ أَنْ نَبْني مُجْتَمَعَ أَنْصافِ مُثَقَّفينَ..!

البقيعة/الجليل
17/8/2016






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com