عودة الى أدب وفن

الأُسْلوبُ.. - حسين مهن



لِماذا يَميلُ القارِئُ الكَريمُ الى قِراءَةِ مادَّةٍ في جَريدَةٍ ما دونَ غَيرِها مِنَ المَوادِّ المَنْشورَةِ في نَفْسِ الجَريدَةِ؟ سُؤَالٌ يَأْخُذُنا الى حافَّةِ الإْجابَةِ المُحَدَّدَةِ لا الى مَرْكِزِها، فالذائِقَةُ البَشَرِيَّةُ تَخْتَلِفُ مِنْ شَخْصٍ لِآخَرَ، لِأَنَّ الرَّغَباتِ والمُيولَ لا تُحَدَّدُ بِقَوانينَ ثابِتَةٍ وهي المُتَقَلِّبَةُ دائِمًا.. ولكِنْ عِنْدَما تَأْخُذُ ثَقافَةُ القارِئِ أَبْعادَها الأُفُقِيَّةَ والعَمودِيَّةَ الأَبْعَدَ والأَعْمَقَ، تُصْبِحُ الإِجابَةُ على سُؤَالِنا أَسْهَلَ، ويُصْبِحُ بِمَقْدورِهِ – أَي القارئِ - أَنْ يَضَعَ إِصْبَعَهُ على جَمالِيَّاتٍ في النَّصِّ لَمْ يَكُنْ يَقِفُ عِنْدَها من قَبْلُ؛ ويُصْبِحُ بِمَقْدورِهِ أَيضًا أَنْ يُمَيِّزَ بَينَ لُغَةِ وأُسْلوبِ كاتِبٍ وآخَرَ.

الكاتِبُ الحَريصُ على أَنْ يَكونَ مَقْروءًا ومَحْبوبًا هو ذاكَ الّذي يَجْعَلُ مِنْ لُغَتِهِ لُغَةً طَيِّعَةً حَيَّةً بَعيدَةً عن كليشِهاتٍ لُغَوِيَّةٍ سَكَنَتْ لُغَتَنا العَرَبِيَّةَ الجَميلَةَ ولا تَزالُ تَمامًا كَما يَسْكُنُ السّوسُ في الخَشَبِ! فالتَّعْبيرُ (أَكَلَ الدَّهْرُ عَلَيهِ وشَرِبَ) مَثَلًا، لا يَضُرُّ بِالنَّصِّ ولا بِكاتِبِهِ، ولكِنْ بِماذا يَنْفَعُهما وهو المُعادُ والمُكَرَّرُ آلافَ بلْ عَشَراتِ آلافِ المَرّاتِ! وأَنا هُنا لا أَنْفي الاتِّكاءَ على اقْتِباساتٍ يَخْتارُها الكاتِبُ بِعِنايَةٍ بِهَدَفِ إْغْناءِ النَّصِّ بِقَدْرِ ما أَنْفي الإِكثارَ مِنْها.

واللُّغَةُ وَحْدَها لا تَكْفي لِكَسْبِ وُدِّ القارِئِ النَّبيهِ، فَهُناكَ الثَّقافَةُ الشُّمولِيَّةُ، وهُناكَ ابتِكارُ المَعاني، وهُناكَ الذَكاءُ في اختِيارِ مواضيعَ تَهُمُّ القارِئَ العادِيَّ وغَيرَ العادِيِّ على حَدٍّ سَواءٍ.. ولا يَهُمُّ إذا كانَتِ الموادُّ المُعالَجَةُ أَدَبِيَّةً أَو عِلْمِيَّةً، مَعَ التَّأْكيدِ على أَنَّ المَوادَّ العِلْمِيَّةَ هي الامتِحانُ الأَصْعَبُ لِلْكاتِبِ، ولَنْ يكونَ مَقْروءًا إذا لَمْ يَكُنْ ذا أُسْلوبٍ مُحَبَّبٍ مُعْتَمِدٍ على سَلاسَةِ التَّراكيبِ اللُّغَوِيَّةِ لِتَكونَ أَبْعَدَ ما تَكونُ عَن تَدْبيجِ الكَلامِ واللُّغَةِ المُرَكَّبَةِ المُثْقَلَةِ بالمُحَسِّناتِ اللُّغَوِيَّةِ في غَيرِ مَواقِعِها.

شُكْرًا لِكاتِبٍ شَدَّنا بِأُسْلوبِهِ الرّاقي الى المَكْتَباتِ لِنَنْفُضَ الغُبارَ عَنْ كِتابٍ نَبْتاعُهُ لِكَي نَقْرَأَهُ..!

(البقيعة / الجليل)
1/8/2016






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com