عودة الى أدب وفن

المَسْرَحِيَّةُ.. - حسين مهنّا


لَيسَتِ المَسْرَحِيَّةُ، بِرَأْيِنا المُتَواضِعِ، سِوى رِوايَةٍ تَنازَلَتْ عَنْ سَرْدِيَّتِها لِصالِحِ الحِوارِ الّذي هُوَ قَوامُ العَمَلِ المَسْرَحِيِّ، فَأَبْطالُ الرِّوايَةِ أُناسٌ عاشُوا في زَمانٍ مُعَيَّنٍ، وفي مَكانٍ مُعَيَّنٍ، نَتَعَرَّفُ على أَوصافِهِم وعلى صِفاتِهِمْ الجَسَدِيَّةِ والنَّفْسِيَّةِ بِما يُقَدِّمُهُ لَنا الرَّاوي / الرِّوائِيُّ مِنْ مَعْلوماتٍ بِدونِها لا يُمْكِنُنا أَنْ نَنْتَقِلَ مِنْ واقِعِنا الحَياتِيِّ الى الفَضاءِ الرِّوائِيِّ الَّذي يُريدُنا الكاتِبُ أَنْ نَتَخَيَّلَهُ وأَنْ نَعيشَهُ.. أَمّا في المَسْرَحِيَّةِ فَنَحْنُ نَتَعَرَّفُ على أَبْطالِها خِلالَ قِراءَتِنا حِواراتِهم عِنْدَ القِراءَةِ؛ وأَمّا على خَشَبَةِ المَسْرَحِ فَإِنَّنا نَلْتَقيهِمْ وَجْهاَ لِوَجْهٍ، مُجَسَّدينَ بِمُمَثِّلينَ يَتَحاوَرونَ ويَتَصارَعونَ ويَتَمازَحونَ، فَإنْ ضَحِكوا أَضْحَكوا، وإنْ بَكَوا أَبْكَوا ولا يَتْرُكونَنا إلّا بَعْدَ أَنْ يُحَمِّلونا هَمَّا إجْتِماعِيَّا ما يَجِبُ إِصْلاحُهُ، ونَكونُ كَأَنَّنا شُرَكاءُ لَهُمْ هَمَّا وتَمْثيلًا.

سَنَتْرُكُ الدِّراساتِ الأَكاديمِيَّةَ لِلْدّارِسينَ والباحِثينَ في تاريخِ المَسْرَحِ وأَهَمِّيَّتِهِ في حَياةِ الشُّعوبِ بَدْءَا بِالمَسْرَحِ اليونانيِّ القَديمِ فَالشّكسْبيرِيِّ فَالعَصْرِالحَديثِ؛ وسَنُشيرُ الى ما يَهُمُّنا وما نَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَهُمُّ القارِئَ الكَريمَ في إِضاءَتِنا هَذِهِ، فَنَتَذَكَّرُ ونُذَكِّرُ أَنَّ العَمَلَ المَسْرَحِيَّ أَنْواعٌ؛ مِنْها المَسْرِحِيَّةُ الكوميدِيَّةُ (الهَزْلِيَّةُ) وتَعْتَمِدُ على عَرْضِ ونَقْدِ الظَّواهِرِ الاجْتِماعِيَّةِ السَّلْبِيَّةِ بِأُسْلوبِ ساخِرٍ.. وعَكْسُها المَسْرَحِيّةُ التراجيدِيّةُ (المَأْساةُ) وعادَةً ما تَنْتَهي بِفاجِعَةٍ تُحَرِّكُ أَحاسيسَنا وتَسْتَدِرُّ دُموعَنا.. وهُناكَ المَلْهاةُ وهي مِنْ أَجِلِ الإَضْحاكِ فَقَطْ، لَعَلَّ في الضَّحِكِ ما يُرَوِّحُ عَنِ القُلوبِ المُتْعَبَةِ، وما يَكْشُطُ عَنْ أَشْغِفَتِها ما عَلِقَ عَلَيها مِنْ قَهْرٍ وَمِنْ تَعَبِ العَمَلِ في مَزارِعِ ومَصانِعِ مُسْتَغِلِّينَ؛ وهذا بِحَدِّ ذاتِهِ يُشَكِّلُ هَدَفَا سامِيًا... ولا نَنْسى المَسْرَحِيَّةَ التَّعْليمِيَّةَ، وهي لِطُلّابِ المَدارِسِ أَنْفَعُ.

هَلْ مِنْ عُيوبِ مَسْرَحِيّاتِنا العَرَبِيَّةِ أَنَّها، بِغالِبِيَّتِها، تُكْتَبُ وتُعْرَضُ بِاللَّهْجِةِ أَواللَّهَجاتِ العامِيَّةِ؛ فَيَأْتي العَمَلُ المَسْرَحِيُّ مَنْقوصَاَ لِما تَحْمِلُهُ الفُصْحى مِنْ جَمالِيَّةٍ مُحَبَّبَةٍ؟ سُؤالٌ لَيسَ بِالسَّهلِ، ولَيسَ المَقصودُ هُنا أَنْ نَدْخُلَ في جَدَلِيَّةِ الفُصْحى والعامِّيَّةِ، ولكنْ نَطْرَحُهُ مادَّةً لِلتَّفْكيرِ لا أَكْثَر..

(البُقَيْعة / الجَليل)
3/6/2016







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com