![]() |
|
عودة الى أدب وفن
قصيدَةُ التَّفْعيلة.. - حسين مهنّا
![]()
لا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدَا ما يَهْتَمُّ بِالشِّعْرِ ويُساوِرُهُ شَكٌّ في أَنَّ قَصيدَةَ التَّفْعيلَةِ أَو (القَصيدةُ المُطَوَّرَةُ) هي البِنْتُ الشَّرْعِيَّةُ لِقَصيدَةِ العَمودِ؛ تَمامَا كَالحَسْناءِ الَّتي خَرَجَتْ مِنْ رَحِمِ أُمِّها وشَبَّتْ فَتَزَيَّتْ بِأَزْياءِ عَصْرِها، إلَّا أَنَّ الجيناتِ تَظَلُّ واحِدةً.
وحينَ فَكَّرَ مُهَنْدِسو قَصيدَةِ التَّفْعيلَةِ بِالخُروجِ بِها مِنْ دائِرَةِ القَصيدَةِ المَوزونَةِ المُقَفّاةِ الى الفَضاءِ الأَرْحَبِ، وَجَدُوا أَنَّهُ بِالإِمكانِ فِعْلُ ذَلكَ بُنْيَوِيَّا، وذلِكَ بِتَفْكيكِ بُحورِ الشِّعْرِ المُتَجانِسَةِ التَّفْعيلَةِ وبِناءِ قَصائِدِهم مُعْتَمِدينَ التَّفْعيلَةَ الواحِدَةَ في القَصيدَةِ الواحِدَةِ، دونَ أَنْ يَلْتَزِموا بِقافِيَةٍ واحِدَةٍ. وبِهذا فَقَدْ جَعَلوا القَصيدَةَ العَرَبِيَّةَ قَصيدَةَ سَطْرٍ لا كَما كانَتْ قَصيدَةَ شَطْرٍ. لَمْ تَأْتِ هَذهِ المُحاوَلَةُ النَّاجِحَةُ مِنْ فَراغٍ، فَقَدْ سَبَقَتْها مُحاوَلاتٌ أُخْرى لِشُعَراءَ كَتَبوا قَصائِدَهُمْ على بُحورِ الخَليلِ ولكِنْ جَعَلوا لِكُلِّ بَيتٍ شِعْرِيٍّ في القَصيدَةِ الواحِدةِ قافِيَةً تَخْتَلِفُ عَنْ أَخَواتِها في الأَبياتِ الأُخْرى، فَوُلِدَتْ قَصائِدُهُم مَشْلولَةَ السّاقَينِ غَيرَ قادِرَةٍ على الوُقوفِ، الى غَيرِ ذلكَ مِنْ مُحاوَلاتٍ لَمْ تَرُقْ لِلذّائِقَةِ العَرَبِيَّةِ. فَالتَّجْديدُ لا يَكونُ في القافِيَةِ فَقَطْ، أَو بِالابْتِعادِ عَنْ أُصولِ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ وإنَّما يكونُ في بِناءِ القَصائِدِ الَّذي يَقودُ الى التَّجْديدِ في مَضامينِها.. وهذا ما تَوَصَّلَ اليهِ رُوَّادُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ في خميسنيات القَرْنِ العِشْرين، وتَرَسَّخَتْ تَجْرِبَتُهم في السِّتّينِيَّاتِ وما بَعْدَها، وسُرْعانَ ما وَقَفَتْ قَصيدَةُ التَّفْعيلَةِ بِجانِبِ اُمِّها تُغالِبُها طولًا بِطول وحُسْنًا بِحُسْنٍ. بِرُسوخِ التَجْرِبَةِ الحَديثَةِ هذهِ لم يَقِفِ التَّجْديدُ عِنْدَ شَكْلِ القَصيدَةِ، بَلْ تَعَدّاهُ الى مَضْمونِها، خاصَّةً وأَنَّ الشّاعِرَ لَمْ يَعُدْ مُلْتَزِمَا بِصَدْرٍ اَو بِعَجُزٍ أَو بِقافِيَةٍ واحِدَةٍ، فَانْطَلَقَ كُلُّ شاعِرٍ في فَضاءٍ يَضيقُ أَو يَتَّسعُ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ على التَّحْليقِ، وعلى مَدى فَهْمِهِ لِلحياةِ، لأنَّ القَصيدَةَ اليَومَ هي القَصيدَةُ الحَياةُ.. أَجَلْ هي القَصيدَةُ الحَياة.. (البقيعة / الجليل) 25/5/2016 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |