عودة الى أدب وفن

المَقالَةُ.. - حسين مهنّا


لا أَدْري لِماذا عَزَفَ الكُتّابُ عِنْدَنا عَنْ كِتابَةِ المَقالَةِ كَفَنٍّ كِتابِيٍّ هامٍّ، وجَنَحوا الى كِتابَةِ القِصَّةِ والرِّوايَةِ والشِّعْرِ ؛ عِلْمَا أَنَّ المَقالَةَ لا تَخْلو مِنَ المُتْعَةِ ومِنَ الفائِدَةِ. ولا أَقْصدُ هُنا التَّقريرَ الصَّحَفِيَّ، مَعَ أَنَّهُ يَقومُ بِدَورٍ هامٍّ وكَبيرٍ؛ ولكِنّي أَقْصِدُ تِلْكَ المَقالاتِ الَّتي تَلَبَّأْنا عَلَيها في مَطْلَعِ شَبابِنا، وأَخُصُّ بِالذِّكْرِ لا الحَصْرِ ما جادَ بِهِ عَلَينا قَلَمُ الكاتِبِ والمُفَكِّرِ الرّائِدِ سَلامة موسى (1886م – 1958م) وما أَتْحَفَنا بِهِ الأَديبُ المُجَلّي أَحْمَد أَمين (1886م – 1954م) وإبراهيم عَبْد القادر المازِني (1889م – 1949م) الَّذي أَبْهَجَنا وأَضْحَكَنا بِكُلِّ ما كَتَبَ، والقائِمَةُ طَويلَةٌ...

إمتازَتْ مَقالاتُ كُتّابِ المَقالَةِ الرُّوّادِ بِجَمالِيَّةِ التَّعْبيرِ الّذي يَنْقُلُ وُجْهَةَ نَظَرِ الكاتِبِ الشَّخْصَيَّةَ بِإيجازٍ حَيثُ يَلْعَبُ الإيجازُ دَورَهُ عِنْدَ القارِئِ الكَريمِ ؛ وبِالإطالَةِ غيرِ المُبالَغِ فيها حينَ تَلْعَبُ الإطالَةُ دَورَا هامَّا في شَرْحِ ونَقْدِ ما يَبْتَغيهِ الكاتِبُ مِنْ مَقالَتِهِ، وَمِنْ تَحْديدِ أَهْدافِهِ بِأُسْلوبٍ شائِقٍ ومُمْتِعٍ لا يَخْلو مِنْ شَطَحاتٍ رومانْسِيَّةٍ وصُوَرٍ فَنِّيَّةٍ مَعَ تَبْسيطٍ لِلْمِواضيعِ العِلْمِيَّةِ الَّتي يُعالِجُها.

لَقَدِ اجْتَهَدَ بَعْضُ الكُتّابِ العَرَبِ مُعْتَقِدينَ أَنَّ لِلْمَقالَةِ الحَديثَةِ جُذورًا تَمْتَدُّ الى ما عُرِفَ في الأَدَبِ العَرَبِيِّ بِالفُصولِ، وبِالرَّسائِلِ، أَو بِما كَتَبَهُ ابنُ الجَوزيِّ (1116م – 1201م) خاصَّةً في كِتابِهِ (صَيدُ الخاطِرِ) – وهذا يُذَكِّرُنا بِكِتابِ أَحْمَد أَمين (فَيضُ الخاطِرِ) – والحَقيقَةُ غَيرُ ذلِكَ ؛ فَالكاتِبُ الفَرَنْسِيُّ ميشيل دي مونْتين (1533م – 1592م) هُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ المَقالَةَ الحَديثَةَ، ويُعْتَبَرُ رائِدَها ؛ تَبِعَهُ الكاتِبُ الإنْجليزِيُّ فرانسيس بيكون (1561م – 1626م)، وقَدْ أَبْدَعَ في كِتابَتِها.

في مُنْتَصَفِ القَرْنِ التّاسِعَ عَشْر صارَتْ الأَسْبَقِيَّةُ لِلْمَقالَةِ عِنْدَ الكُتّابِ العَرَبِ في مِصْرَ وفي لُبْنانَ.. ولَيتَ كُتّابَنا اليومَ يَعودونَ الى المَقالَةِ ويُحافِظونَ على هذهِ (الأَسْبَقِيَّةِ) لِنَرْتاحَ قَليلًا مِنْ سَطْوَةِ الشِّعْر..!

(البقيعة/ الجليل)
21/4/2016







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com