عودة الى أدب وفن

نجوى قعوار فرح ترحل بعيداً عن فلسطين بعد حياة حافلة بالعطاء - إلياس نصرالله



*ساهمت في كتابة القصص والمقالات في صحافة الحزب الشيوعي، خاصة في مجلة "الغد"التابعة لاتحاد الشبيبة الشيوعية* وخلفت 22 عملاً أدبياً باللغتين العربية والإنجليزية*

توفيت الأسبوع الماضي في مدينة تورنتو بكندا الأديبة الفلسطينية المعروفة نجوى قعوار فرح عن عمر ناهز 92 عاماً وسيجري تشييع جثمانها إلى مثواها الأخير في تورنتو السبت المقبل الموافق 15 آب الجاري.

ولدت نجوى وكبرت في مدينة الناصرة لعائلة اشتهرت بالعلم والأدب، فشقيقها المؤرخ المعروف باسمه الأكاديمي عرفان شهيد الذي اشتهر في جامعة جورج تاون الأميركية مؤرخاً متخصصاً في الفترة البيزنطية.

تنقلت نجوى ابنة فلسطين بين مدنها شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً وخلـّفت تراثاً من المحبة والصدق والوطنية التي غرستها في قلوب ونفوس من احتكوا بها، أو الذين علمّتهم وتربوا على كتاباتها وأعمالها الأدبية التي بلغت حوالي 22 كتاباً باللغتين العربية والإنجليزية في مجالات الرواية والقصة القصيرة والنثر الأدبي والشعر والمسرح وقصص الأطفال.

تعرّفتُ على نجوى في عام 1968 في القدس الشرقية بعد أن احتلتها إسرائيل ببضعة أشهر، من خلال المنتدى الأدبي الذي بادرتْ إلى تأسيسه بعد الاحتلال وكان وسيلة للتواصل مع نساء ورجال الأدب والفكر في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 والذي اعتبر في حينه وجهاً من وجوه مقاومة الاحتلال. ثم انتقل هذا المنتدى لاحقاً من حي بيت حنينا في القدس المحتلة إلى رام الله.

تلقتْ نجوى تعليمها الابتدائي والثانوي في مدينة الناصرة، وانتقلت إلى القدس لتلتحق بدار المعلمين هناك، وعملت بعد تخرجها في التدريس وفي إذاعة فلسطين في القدس، وتزوجت من القسيس رفيق فرح الذي عاد إلى فلسطين بعد تخرجه من الجامعة الأميركية في بيروت وسكنا في مدينة حيفا. وعندما وقعت النكبة عام 1948 بقيت نجوى ورفيق في فلسطين فعملت معلمة في مدرسة مار يوحنا القريبة من وادي النسناس، فيما عمل القسيس فرح قسيساً للطائفة الأنجليكانية في المدينة حتى عام 1965.

خلال بقاء نجوى ورفيق فرح في حيفا كانا من الوجوه البارزة في الحركة الوطنية الفلسطينية، إذ ساهمت نجوى في كتابة القصص والمقالات في صحافة الحزب الشيوعي، خاصة في مجلة "الغد"التابعة لاتحاد الشبيبة الشيوعية. فكانت روايتها "عابرو السبيل" أول عمل أدبي صدر لها عام 1954. تميزت الفترة التي تلت النكبة بغزارة الإنتاج الأدبي لدى نجوى، حيث بلغ عدد الكتب التي صدرت لها حتى عام 1962 ثمانية كتب.

عاشت نجوى قعوار فرح الفترة منذ عام 1948 إلى 1965 تحت الحكم العسكري الإسرائيلي القاسي الذي كان مفروضاً على الفلسطينيين الذي نجحوا في البقاء بوطنهم. ففي عام 1965 طلبت إدارة الكنيسة الأنجليكانية، الموجودة في القدس الشرقية، من القسيس رفيق فرح أن ينتقل للعمل قسيساً للطائفة الأنجليكانية في القدس الشرقية، فانتقلت معه نجوى وابنيهما وبنتيهما، ومنذ وصولها إلى القدس الشرقية التي كانت تقع تحت الحكم الأردني بدأت نجوى تساهم في الكتابة للصحف والمجلات الأردنية ومنها مجلة "أفكار"، التي ضمت خيرة من الكتاب الشباب الفلسطينيين في تلك الفترة، منهم محمود شقير وخليل السواحري.

في حزيران 1967 وجدت نحوى نفسها مرة أخرى وجهاً لوجه مع الآلة العسكرية الإسرائيلية عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية، فشاركت في سلسلة من النشاطات الأدبية والنسوية ضد الاحتلال الإسرائيلي. لم تطل إقامتها في القدس الشرقية وانتقلت للعيش في رام الله مع زوجها الذي أصبح في عام 1969 قسيساً للطائفة الأنجليكانية فيها.

في بداية السبعينات من القرن الماضي وعقب مذابح أيلول التي ارتكبها الجيش الأردني ضد الفلسطينيين، انتقلت نجوى إلى عمّان لفترة قصيرة مع عائلتها ثم إلى لبنان، حيث أصبح القسيس فرح قسيساً للطائفة الأنجليكانية في بيروت، وظلت هناك بعد اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 ببضع سنوات، وكانت تقيم في بيروت الغربية التي كانت تحت سيطرة الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، فشاهدت بعينها أهوال الحرب الوحشية وكتبت عنها في مجموعاتها القصصية المنشورة أو تلك غير المنشورة التي كان لي شرف الاطلاع عليها. ثم انتقلت في عام 1979 مع عائلتها إلى لندن وعاشت فيها طوال عقد الثمانينات، قبل أن تنتقل إلى محطتها الأخيرة في تورنتو بكندا، حيث توفيت فيها.

تـُعد نجوى قعوار فرح من رائدات الأدب النسائي الفلسطيني والعربي، ويتميز إنتاجها بغزارته واستمراريته لما يزيد عن 65 عاماً ومواكبته لتقلبات الحياة الصعبة والمريرة للفلسطينيين التي استوحت منها الأفكار والصور. فعاشت نجوى في فلسطين في ظل الانتداب البريطاني وشاهدت النكبة التي حلت بشعبها عام 1948، وذاقت مرارة العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، ثم لحقت باللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان، فشاهدت أهوال الحرب الأهلية وفظائعها، واكتوت بنار الغربة، بعيداً عن وطنها فلسطين فعاشت في بريطانيا وكندا، رغم ذلك لم تتوقف نجوى عن الإنتاج الأدبي حتى آخر لحظة في حياتها، وقدَّمت من كل تلك المواقع نماذج واقعية عن الحياة التي عاشتها مع الآلاف مثلها من الفلسطينيين كما شاهدتها، مما جعل من إنتاجها سجلاً حافلاً لحياة الفلسطينيين أينما حلـّوا في الوطن أو في الشتات، وحلمت بعودتهم إلى الوطن مهما طال الزمن.

* لندن

عن موقع الجبهة
9/8/2015







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com